فأخبرته فارس والروم بأنهم يفعلون ذلك ولا يضر أَولادهم، فأخذ تلك الخطة الطبية منهم، ولم يمنعه من ذلك كفرهم.
ولما أوضحنا أن من مُثلُ الإسلام العُليا: السعي المزدوج للروح والجسم وللدين والدنيا، وكان في طريق طبيعية ذلك في الظروف الراهنة مشكلة عُظمى وعقبة كؤود أردنا أن نكشف عنها القناع ونبرزها ليتسنَّى علاجُها.
وإيضاح ذلك: أن جميع الطرق والميادين إلى الحصول على ما يتطلَّبه الجسم من المادِّيات بحسب تطوُّر الحياة في أحوالها الراهنة كلها إنما نَظَّمها ومَهَّدها قومٌ غير مسلمين ملأوا كل الطرق إليها من الألغام؛ من العقائد الفاسدة، والنظريات الملحدة، وتصوير الإسلام ورجاله بصورة مشوَّهة منفِّرَة بعيدة عن الحقيقة والواقع بُعْد الشمس عن اللمس، فعلى المسلمين أن يجتهدوا في نزع الألغام من طرق الحياة ليمكنهم أن يعلموا أبناءهم ما يقدرون معه على سدِّ الفراغ المادِّي الذي لا بد من سده في الظروف الراهنة لتطور الحياة البشرية، فيستجلبون بأموالهم الرجال البارعين في العلوم المادية ويجعلون على مناهج تعليمها وفي تطبيق تلك المناهج رقباء من رجال الدين العالمين لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك يحصل لهم ما تتطلبه الأجسام البشرية مع المحافظة على التراث الروحي الذي هو علامة الاصطفاء من خالق السموات والأرض، المنوَّه عنه بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} [فاطر: ٣٢] آية