صحبه صحبة [وشيكة] نفر يسير لم تترسخ أقدامهم في قدم الاستقامة، فلما طوى عنهم بساط الصحبة، وبسط عليهم ظل النعمة ركنوا إلى الخفض، وأخلدوا إلى الدعة، ومال بهم مخيلة الأمل وبارقة الطمع عن سواء السبيل إلى كل طريق معمور، وإلى مالا يجمل في الأحدوثة، كما كان من بسر ابن أرطاة ومن نحا نحوه من كل كسير وعويل، وأكرم بأمة لا يعد نفرهم ولا يضبط جيلهم وقبيلهم، ثم لا يصادف منهم مسيء إلا بالندرة. وقد دل على هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - (أصيحابي) أشار التصغير إلى قلة أولئك النفر.
وأما قوله:(إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم)، فإنه أراد به إساءة السيرة، والرجوع عما كانوا عليه من صدق العزيمة، ولم يرد به الردة عن الإسلام؛ إذ لو كان المراد منه الردة لأقتصر على قوله: مرتدين. ولم يوجد -بحمد الله- ممن أدرك صحبة نبي الله واشتهر بها من ارتد بعده.
نعم قد كان من جفاة الأعراب ورؤسائهم ممن وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دخل بعده في غمار أهل الردة كعيينه بن حصن الفزاري، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والأشعث بن قيس الكندي.
وقد كان من طليحة الأسيدي من إدعاء النبوة ما كان، ثم الله -تعالى- تداركهم برحمته فتابوا وحسنت توبتهم وأصلحوا ما أفسدوه، والله هو التواب الرحيم.
] ٤١٦٤ [ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (فإذا هو بذيخ متلطخ).