الكعبة حتى كسرها، قيل إنما أعتقها عن كفار الجبابرة لأنهم إذا كانوا بأنفسهم متمردين وبحرم الحرم غير معتقدين، وقصدوا الكعبة بالسوء، فعصمها الله منهم، ولم تنلها أيديهم، كان ذلك دلالة على أن الله تعالى صرفهم عنها جرًا. فأما المسلمون الذين اعتقدوا حرمتها، فإنهم لئن كفوا عنها، لم يكن في ذلك من الضلالة على منزلتها عند الله مثل ما يكون منها في كف الأعداء، فنصر الله تعالى هذه الطائفة على الكف بالنهي والوعيد، ولم يتجاوز إلى الصرف بالإلجاء والاضطرار، وجعل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى، خلعت نعالها تعظيمًا للحرم، وكان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاتان: أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاين الأهل عاينهم في الحل. وإذا أراد أن يصلى صلى في الحرم. فقيل له في ذلك: إن كنا لنحدث أن أمر لحال في الحرم أن يقال: كلا والله، وبلى والله، وقال ابن عباس: استشارني الحسين بن علي رضي الله عنهم في الخروج، فقلت له: لولا أن تدري من أبوك لألبست يدي في رأسك، فقال لئن أقبل فكان كذا وكذا، أحب إلي من أن يستحل بي الحرم، فذلك الذي لوت بنفسي عنه.
قال طاووس: والله ما رأيت أشد تعظيمًا للمحارم من ابن عباس. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لخطبة أصبتها بمكة أعز علي من سبعين خطبة بغيرها، وكان يقول لفريقين يا معشر قريش، الحقوا بالأقارب. فهو أعظم لأخطائكم وأقل لأوزاركم، يعني أن تتعاب الذنوب في الحرم أعظم وأثقل.
وسئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يقيم بمكة فأبى. وسئل: لم تأت فقال: مخافة الحدث، ووافق أمره شهر رمضان بمكة فخرج منها إلى الطائف وصام بها. وقال سعيد بن المسيب لرجل من أهل المدينة وأوفى مكة، وذكر أنه جاء بطلب العلم: ارجع إلى المدينة، فأنا كنا نسمع أن ساكن مكة لا يموت حتى يكون الحرم عنده بمنزلة الحل لما يستحل من حرمتها.