النساء ما يجبون، وافترشوا من أصناف الفراش ما يختارون، ولبسوا من ضروب اللباس ما يستحسنون.
وكانت أحوال الحيوانات سواهم مقصورة من الضرورة دون الاختيار لفقدهم من العقل والبيان، فأوجد منها الناس إلى غير ذلك من أحوال الموجودات التي تذكر على العد، وكلها مجتمعة المعنى في الدلالة على أنها وضع وتدبير، ونظم وترتيب، وإن الواضع لها والمدبر والناظم المرتب عالم حكيم قادر قوي، فإن لم يعلم الحاجة، لم يعلم ما تزاح به العلة، لم يقدر على وضعه وإيجاده. وإذا علم لم يوجد منه وضعه حتى يكون قادرا عليه، فدل عليه على وجود الحاجة ووجود ما تقضي به الحاجة على أن الموجد عليهم حكيم قادر قوي.
ألا ترى أن صانع المشربه لا يصوغها إلا عن علم بما يصلح له وقدره، وكان على الصناعة وكذلك صانع المسرجة والمنارة والمجمرة وكذلك صاحب المنزل لا يسر منزلة من الآلات إلا عن علم بما يصلح كل شيء منها له قدرة على جميعها، وإعدادها لوقت الحاجة إليها.
فكيف يتوهم أن تكون السموات والأرضون وما بينهما وفيهما وجدت على ما هي عليه، إلا صنعا لصانع عليك حكيم قادر قوي كلا ما يمكن ذلك ولا يجوز، وما هي إلا من صنع اللطيف الخبير تبارك الله أحسن الخالقين وأحكم الحاكمين.
فصل
فأما الكواكب فلا يمكن أن تكون مدبرة لهذا العالم لأنها مدبرة، وفي هذا بيان أنها غير موكولة إلى نفسها، فكيف يكون غيرها موكلا إليها؟ ألا ترى أنها تكون مستقيمة السير حالا، ولا سبيل لا في تلك الحلل إلى أن تكون راجعة، وتكون راجعه حالا، ولا سبيل لها في تلك الحال إلى أن تكون مستقيمة وزائدة السير مرة وناقصة أخرى، وسالمة تارة ومحرقة أخرى، ولا سبيل لها إذا كانت على حال وقتا إلى أن تكون فيه على خلافها، وكل ذلك يدل على أنها غير موصوفة بتدبير أنفسها، فدل ذلك على أنها من الوصف بتدبير غيرها أبعد.
وأيضا فإن التدبير إنما يكمل له الحي القادر، والكواكب بمعزلة عن هذه الأوصاف،