الجمال ما لم يُعطَ سواه أن يسعى في تكميله ولا يقلِبَه قُبحًا بمعاصيه وشِركِه؛ فإن الله لا يُجاوَرُ بقُبحٍ ولا يدنو منه قبيحٌ.
وسمع آخرُ قارئًا يقرأ:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة: ١٩٧]، فقال: مِن كمال رحمته أنه مكَّنهم من الضَّرب في الأرض بالسفر، وأعلمهم أنهم لا يَصِلون إلى مقصدهم الذي يأتونه إلا بالزَّاد، فمكَّنهم منه، وهيَّأ لهم أسبابَه، ونبَّهَهُم بذلك على السفر الأكبر إلى جنَّته، وأخبرهم أنهم لا يصلون إليها إلا بزادٍ يُبلِّغُهم إياها، وأنَّ المسافر بغير زادٍ ينقطع في الطريق. ثم نبَّههم على زاد هذا السفر، وأنه لا يتزوَّدُ فيه إلا بالتقوى، فلكلِّ سفرٍ زادٌ، والتقوى زاد سفرِ الآخرة، والخَلْقُ كلهم على ظهرِ سيرٍ، وكلُّهم عابرُ سبيل، فمُفَرِّطٌ في الزاد، ومتزوِّدٌ على قدر بُعْدِ سفره، ومقتصدٌ في زاده، ولكلٍّ همَّةٌ هو عاملٌ عليها وغايةٌ هو مُشمِّرٌ إليها، وهم درجاتٌ عند الله، فمتزوِّدٌ إلى الجحيم، ومتزوِّدٌ إلى جنات النعيم.
وسمع آخرُ قارئًا يقرأ:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران: ٣٠]، فقال: من رأفته بهم أن يحذِّرهم نفسه لئلا يغترُّوا، وليكونوا على حذرٍ من بأسه ونقمته؛ فإنه شديد المِحال، سريع العقاب، كيده متين، وأخذُه أليم شديد، يُملي للظالم حتَّى إذا أخذه لم يُفْلِته، ويُمهِلُ من يبارزُه بالعظائم ولا يهملُه، يأخذ العبدَ من مأمنه، ويأتيه من حيث لا يحتسب، لا يروج عليه الزيف، ولا يَنفُق عنده الزَّغَلُ (١)، ولا
(١) كذا في النسخة بالزاي. والمعروف في اللغة بالدال بمعنى الزيف.