ديار بأكناف الملاعب ترتع ... وما إن لها من ساكن وهي بلقع
ينوح عليها الطير من كل جانب ... فتصمت أحيانا وحينا ترجع
فخاطبت منها طائرا متفردا ... له شجن في القلب وهو مروع
فقلت على ماذا تنوح وتشتكي ... فقال على دهر مضى ليس يرجع
وخيل لي أنها تنشدني قول من قال:
الله أخر مدتي فتأخرت ... حتى رأيت من الزمان عجائبا
وليس ببعيد من طريق الاعتبار أن تكون الحكمة في سرعة تخريب تلك القصور وغيرها مما يأتي من البناءات الإسماعيلية على عظمها وثخانة بنائها القاضيتين بالنظر للعادة بتأبيدها في الجملة جعل ذلك في مقابلة هدم قصر البديع الذي كان أسسه بمراكشة السلطان أبو العباس أحمد المنصور السعدى الملقب الذهبي، لفيضان الذهب في زمانه حتى قيل كانت ببابه أربع عشرة مائة مطرقة تضرب الدينار دون ما هو معد لغير ذلك من صوغ الأقراط والحلي وشبه ذلك -المبتدأ تأسيسه في شوال عام ستة وثمانين وتسعمائة، واتصل العمل فيه إلى عام اثنين وألف ولم يتخلل ذلك فترة، وفي عام تسعة عشر ومائة وألف أمر مولانا إسماعيل بهدمه فهدمت معالمه، وبددت مراسمه، وغيرت محاسنه وفرق جمع حسنه وعاد حصيدا كأن لم يغن بالأمس.
قال في "نزهة الحادي" تأملت لفظ البديع فوجدت عدد نقط حروفه بحساب الجمل مائة وسبعة عشر، وهذا القدر هو الذي بقي فيه البديع قائما عامرًا فإنه فرغ منه عام اثنين وألف، وشرع في هدمه عام تسعة عشر ومائة وألف، فمدة بقائه بعد تمام بنائه مائة وسبعة عشر سنة على عدد اسمه وذلك من غريب الاتفاق اهـ، وكون الجزاء من جنس العمل أمر معهود في التصاريف الإلهية في كثير من