قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: الأصل في صيغ العقود ونحوها الإخبار ثم غلب الإنشاء.
وقالت الحنفية: هي على أصلها، وقدر الشرع ثبوت متعلقها بعد النطق بها قبله بالزمن الفرد فيصدق المتكلم ويثبت الحكم، فقيل: الصرف بالقرينة أولى من التحكم، ولأن التقدير لا يفهم من العرف بخلاف القرينة والقاعدة أن مخالفة الأصل بالمعلوم أولى/ ١٩٠ - أمن مخالفته بالمجهول، ومقتضى ذلك الأصل أنه لو شهد شاهد أنه طلق بمكة في رمضان وآخر بمصر في صفر أن تحمل الثانية على الإخبار ما احتملته وهو مذهب المدونة إلا أنه عارضته قاعدة وهي أنه يجب حمل اللفظ على المعاني المتجددة والتأسيس حتى يدل دليل علي التأكيد، لان مقصود الوضع ومقتضاها عدم الضم في الأقوال كما في الأفعال لعدم وجود النصاب فإن قال: أنت طالق، وقلنا: بغلبة الإنشاء فما نوى، وإلا فواحدة، وإن قلنا بالبقاء علي الخير فهو نعت فرد للمرأة فواحدة أبدا، لأنه لا يحتمل العدد انتهي.
ولا شك أنها في اللغة إخبار وفي الشرع تستعمل إخبارا، وإنما النزاع فيها إذا قصد بها حدوث الحكم، والصحيح أنها إنشاء.
واحتج ابن الحاجب بصدق حد الإنشاء عليها وهو أنها لا تدل علي الحكم بنسبة خارجية فإن بعت لا يدل على بيع آخر غير الذي يقع به، وأيضا فلا يوجد فيه خاصية الإخبار وهو احتمال الصدق والكذب إذ لو حكم عليه بأحدهما كان خطأ قطعًا. وأيضا لو كان خبرا لكان ماضيا للاتفاق على أنه لم يرد عليه ما يغيره إلى غير الإنشاء، وعلى أنه ليس خبرا في معنى الحال. ولأنه لو كان مستقبلا لم يقع كما صرح به.
وأما انتفاء اللازم فلأنه لو كان ماضيا لم يقبل التعليق، لأنه توقيف أمر على أمر وإنما يتصور فيما لم يقع بعد لكنه يقبله إجماعًا.
وأيضا فإنا نقطع بالفرق بينه خبرا وإنشاء، ولذلك لو قال للرجعية طلقتك، سئل فإن أراد الإخبار لم يقع طلاق آخر، وإن أراد الإنشاء وقع بخلاف البائن فإنه لا يقع وإن أراد الإنشاء