ويظهر بهذا التقرير سر قول الفقهاء: إن حكم الحاكم فى مسائل الاجتهاد لا ينقض وأنه يرجع على القاعدة الأصولية، وتصير هذه الصورة مستثناة من تلك الأدلة العامة كما المصراة والعرايا والمساقاة وغيرها من المستثنيات.
ويظهر بهذا ان التعزيزات من الحكام ليست أحكاما فتبقى الصورة قابلة لحكم جميع تلك الأقوال المنقولة فيها.
ثم قال بعد كلام: فظهر أيضا من هذه الفتاوى والمباحثات أن الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إجبار ومعناه الإنشاء والإلزام من قبل الله تعالى.
وبيان ذلك بالتمثيل:
إن المفتى مع الله تعالى كالمترجم مع القاضى ينقل ما وجده عن القاضى واستفادة عنه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك.
والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم، وليس بناقل ذلك عن مستنيبه، قال له: أى شئ حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمى فكلاهما موافق للقاضى ومطيع له وساع في تنفيذ مراده، غير أن أحدهما ينشئ والآخر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له فى الإنشاء، كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى/ ١٧٥ - أناقل لحكمه غير أن الحاكم منشئ والمفتى مخبر محض انتهى.
وقد اعترض الإمام أبو القاسم ابن النشاط كثيرا من كلامه في هذا الفرق، وقال لا أشد فسادا من كلامه فى هذا الفصل، فقال فى كلامه: لا يلزم ذلك المالكى لأن ذلك ليس بحكم، فيما قاله فى ذلك نظر، إذ لقائل أن يقول: وهو حكم يلزم جميع أهل ذلك البلد.