لم يُوجَدْ في رواياتهم اختلافٌ شديدٌ وتخليطٌ فاحشٌ كائنان كالاختلاف والتخليط الذي قد عُثِرَ واطُّلِعَ عليه في حديثِ كثيرٍ من المُحَدِّثين المتروكين.
وقولُه:(وبَانَ ذلك في حديثِهم) معطوفٌ على قوله: (قد عُثِرَ)، والإِشارةُ في ذلك راجعة إِلى (ما) في قوله: (كَمَا) الواقعةِ على الاختلاف والتخليط، والمعنى: وكالاختلاف والتخليط الذي بَانَ وظَهَرَ في حديث كثيرٍ من المُحَدِّثين المتروكين، ويحتملُ أَنَّ قوله:(قد عُثِرَ فيه) راجعٌ للاختلاف فقط، وأَنَّ قولَه:(بَانَ ذلك) راجعٌ إِلى التخليط فقط على سبيل اللَّفِّ والنَّشْر المُرَتَّب.
والمعنى حينئذ: لم يُوجَدْ في روايتهم اختلافٌ شديدٌ كالاختلاف الذي قد عُثِرَ عليه في حديثِ كثيرٍ من المحدِّثين، ولا تخليطٌ فاحشٌ كالتخليط الذي بَانَ وظَهَرَ في حديثهم.
والفاءُ في قوله:(فإذا نحنُ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ القسمَ الأولَ من أقسامِ الحديثِ وأقسام الرواة وأردتَ بيانَ القسم الثاني منها .. فأقول لك: إذا نحن (تَقَصَّينا أخبارَ هذا الصِّنْفِ) الأولِ، و (تَقَصَّينا) هو بالقاف؛ أي: أَتَينا بها على الكمال (١)، وذَكَرْنا قُصْواها وغايَتها؛ أي: إِذا انتهينا إِلى أحاديث هذا الصِّنْفِ الذين هم القسمُ الأول (من) أقسام طبقات (الناسِ) الناقلين للأخبار والأحاديث -يعني بهم أهلَ الاستقامةِ والإِتقانِ- أي: إِذا أتينا بها وفَرَغْنا منها ( .. أَتْبَعْناها) أي: أَتْبَعْنا أخبارَ هذا الصِّنْفِ الأول وأَرْدَفناها وأَلْحَقْنا بها على سبيل المتابعة (أخبارًا) أي: أحاديثَ (يَقَعُ) ويُذْكَرُ (في أسانيدِها) ورجالِها (بعضُ مَنْ ليس بالموصوفِ بالحِفْظِ) والضَّبْطِ (والإِتْقَانِ) والتحقيق.
والباءُ في قوله:(بالموصوفِ) زائدةٌ في خبر ليس.
والمعنى: ذكرنا عقبها للمتابعة أخبارًا يَقَعُ في أسانيدها راوٍ ليس موصوفًا بالحفظ
(١) "شرح صحيح مسلم" (١/ ٥١)، و "مكمل إكمال الإكمال" (١/ ١٠). زاد النووي: (يُقال: اقتصّ الحديث وقَصَّهُ وقصَّ الرؤيا أَتى بذلك الشيء بكماله).