ذلك وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القسم منها على جهة الرغبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو للأولياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر ذلك عليها بقوله: سبحان الله كتاب الله القصاص ولو كان رغبة له لما أنكرها وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه قسمًا وأخبر أنه قسم على الله وأن الله تعالى قد أبرها فيه حين قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)(فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لها إنكارًا لما حلفت عليه (سبحان الله) أي تنزيهًا عن أن يرد حكمه (يا أم الربيع القصاص كتاب الله) أي حكم الله تعالى حيث قال: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}[المائدة: ٤٥] ففيه العمل بشرع من قبلنا إذا صح عندنا ولم يثبت في شرعنا ناسخ له ولا مانع منه وقد اختلف في ذلك الفقهاء والأصوليون وفي المذهب فيه قولان ووجه هذا الفقه قوله: (كتاب الله القصاص) وليس في كتاب الله القصاص في السن إلا في قوله تعالى حكاية عما حكم به في التوراة في قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا} الآية إلى قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}[المائدة: ٤٥] وفيه القصاص في السن إذا قلعت أو طرحت وفي كسرها وكسر عظام الجسد خلاف هل يقتص منها أم لا فذهب مالك إلى القصاص في ذلك كله إذا أمكنت المماثلة وما لم يكن مخوفًا كعظم الفخذ والصلب أخذًا بقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: ٤٥] وذهب الكوفيون والليث والشافعي إلى أنه لا قود في كسر عظم ما خلا السن لعدم الثقة بالمماثلة وفيه ما يدل على كرامات الأولياء اهـ من المفهم. فمعنى قوله: القصاص كتاب الله أي حكم الله وجوب القصاص في السن وهو قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}[المائدة: ٤٥] فيما حكاه الله تعالى من شريعة من قبلنا (قالت) أم الربيع مرة ثانية: (لا والله لا يقتص منها) أي من أم حارثة ولا الثانية توكيد لفظي للأولى قال النووي: ليس معناه ردَّ حكم النبي صلى الله عليه وسلم بل المراد به الرغبة إلى مستحقي القصاص أن يعفوا وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو وإنما حلفت ثقة بهم أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله تعالى ولطفه أن لا يحنثها بل يلهمهم العفو اهـ (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان أي لا يستوفى منها القصاص في زمن من الأزمنة المستقبلة (قال) أنس بن مالك: (فما زالت) أم الربيع تحلف على ذلك (حتى قبلوا) أي حتى قبل مستحقوا القصاص (الدية) أي الأرش (فـ) ـلما رأى ذلك منها النبي صلى الله