(ولو ذَهَبْنا) وأجرينا في الكلام وأطلْناه حالة كوننا (نُعَدِّدُ) ونحسُبُ (الأخبار الصِّحَاحَ) والأسانيدَ السليمةَ (عندَ أهلِ العِلْمِ) بالحديث وأئمة السلف حالةَ كَوْنِ تلك الأخبار (مِمَّا يَهِنُ) ويضعفُ (بزَعْمِ هذا) الزاعمِ (القائل) بالقول المخترع؛ أي: ممَّا يَهِنُ عنده لعدم توفُّر الشروط التي يعتبرها.
وقولُه:(ممَّا يهنُ) هكذا في الأصول المحققَّة والنسخ القديمة بلفظ ما الموصولة وهي الصواب، وفي بعض النُّسخ:(مِمَّنْ) بلفظ (مَنْ) التي هي للعاقل وهي تحريفٌ من النُّسَّاخ؛ لأنَّ الأخبارَ ليستْ من العُقلاء.
وقولُه:(ونُحْصِيها) أي: ونُحْصِي تلك الأخبارَ ونضبطُها بعددٍ معينٍ: معطوفٌ على (نُعَدِّدُ) أي: ولو ذَهَبْنا نُعَدِّدُها وشرعنا في تعدادها بأنْ قُلْنا: واحد اثنان ثلاثة إلى آخرها، ونحصيها ونجمعها ونضبطها في عدد معين كمائة وألف مثلًا.
وقولُه:( .. لَعَجَزْنا) جوابُ لو الشرطية في قوله: (ولو ذَهَبْنا)، (عن تَقَصِّي ذِكْرِها) أي: لَعَجَزْنا عن ذِكْرِ قصواها وغايتها في تعدادنا إياها (و) عن (إحصائها) وضَبْطِها (كُلِّها) وجَمْعِها في عددٍ مُعَيَّنٍ؛ لخروجها عن قبول ذلك بالكثرة.
وقولُه:(كُلِّها) بالجرِّ تأكيدٌ للضمير المجرور، يُقال: قصا المكان بَعُدَ، وبابه سما، فهو قاصٍ وقَصِيٌ، ومنه قوله تعالى:{مَكَانًا قَصِيًّا} وقصَا عن القوم: تباعدَ عنهم، فهو قاص وقَصِيٌّ، وبابه أيضًا سما، واستقصى في المسألة وتقصَّى فيها؛ أي: بلغ غايتها في البحث عنها. اهـ "مختار" بتصرف
(ولكنَّا أَحْبَبْنَا) وقَصَدْنا (أَنْ ننصِبَ) ونَذْكُرَ (منها) أي: من تلك الأخبار الصحاح التي تَهِنُ بزَعْمِ هذا القائل (عددًا) قليلًا (يكونُ سِمَة) وعلامةً (لِـ) معرفةِ (ما سَكَتْنا عنه منها) أي: من تلك الأخبار؛ أي: نذْكُر منها عددًا قليلًا يكون علامة عليها لِمَنْ أرادَ معرفة ما سكتنا عن ذكره منها؛ أي: عددًا يكون له كالنُّصُب المنصوبة على الطريق ليهتدي بها مَنْ لا يَعْرفُ الطريق، كالألواح المكتوب عليها أسماء الجهات