صلى الله عليه وسلم بأنه ورثها وحده لطالبه ببينة على كونه وارثًا، ثم بينة أخرى على كونه محقًا في دعواه على خصمه، فإن قال قائل قوله صلى الله عليه وسلم:"شاهداك" معناه شاهداك على ما تستحق به انتزاعها وإنما يكون ذلك بأن يشهدا بكونه وارثًا وحده، وأنه ورث الأرض فالجواب: أن هذا خلاف الظاهر، ويجوز أن يكون مرادًا والله أعلم انتهى منه.
ومنها بيان سيرة القضاء البداية بالسماع من الطالب، ثم السماع من المطلوب هل يُقِرُّ أو ينكر، ثم طلب البينة من الطالب إذا أنكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب بينة، ومنها أن الخصم إذا اعترف أن المدعى فيه في يد خصمه استُغني باعترافه عن تكليف خصمه إثبات كون يده عليه لقول الحضرمي:"إن هذا غلبني على أرض لي" فقال الآخر: "أرضي في يدي أزرعها" فلم يكلف النبي صلى الله عليه وسلم إثباتًا، ومنها أن الزراعة يدٌ وحوز، ومنها أن الدعوى في المعين لا تفتقر إلى خلطة أي إلى مخالطة الطالب، ومعاملته مع المطلوب، أو مع الناس بخلاف المرأة المحتجبة، والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته فلا تجب اليمين عليه إلا بخلطة، وذلك لما أخرجه مالك في الموطأ عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن، أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقًّا نظر فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة حَلَّف الذي ادعى عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يُحلِّفه قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، ومنها بيان صورة سؤال الحاكم الطالب بأن يقول:"ألك بينة" ولا يقول له قرب بينتك، إذ قد لا يكون له بينة، ومنها الدلالة على أن للأيمان مواضع تُحلَّف فيها وتختص بها لقوله:"فانطلق ليحلف" وذلك عندنا لازم فيما له بال من الأموال، وذلك ما يوجب القطع في السرقة ربع دينار فصاعدًا، فلا يكون اليمين فيه إلا في المساجد الجامعة، وحيث يعظَّمُ منها كما مر، وقد احتج أبو سليمان الخطابي بهذا الحديث على وجوب اليمين عند المنبر، قال: لأنه إنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقيام هذا إنما كان إلى المنبر، والا فلماذا قام؟ يدل عليه حديث جابر بن عبد الله:"من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار" وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ