للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

{لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالى. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا

ــ

أي كل آمن برسله قائلين ({لَا نُفَرِّقُ}) ولا نميز ({بَينَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}) أي بين آحاد الرسل بأن نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض؛ كما قال اليهود والنصارى و (أحدٌ) هنا بمعنى الجمع أي الآحاد، فلذلك أضيف إليه بين لأنه لا يضاف إلا إلى متعدد، والأحد وضع لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، والواحد أيضًا الذي لا نظير له، والوحيد الذي لا نصير له قوله ({وَقَالُوا}) معطوف على آمن، وصيغة الجمع باعتبار المعنى، وهو حكاية لامتثالهم الأوامر إثر حكاية إيمانهم، أي قال كل منهم ({سَمِعْنَا}) أي فهمنا ما جاءنا من الحق، وتيقنا بصحته ({وَأَطَعْنَا}) ما فيه من الأوامر والنواهي، قيل لما نزلت هذه الآية قال جبريل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد أثنى عليك وعلى أمتك غسل تعط فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ({غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}) أي اغفر لنا غفرانك ربنا، نظير قوله {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] أي فاضربوا، أو نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة، أو ما لا يخلو عنه البشر من التقصير في مراعاة حقوقك، وهذا الوجه أولى لئلا يتكرر الدعاء بقوله في آخر السورة {وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: ٢٨٦] فمسؤولهم هنا الغفران المعلق بمشيئته تعالى في قوله (فيغفر لمن يشاء) في الآية الأولى، وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران، لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول ({وَإِلَيكَ}) ربنا ({الْمَصِيرُ}) أي المرجع، أي الرجوع بالموت والبعث إليك لا إلى غيرك.

(فلما فعلوا) أي فعل القوم (ذلك) السمع والطاعة والاستسلام لما شكوا عنه من موجب الآية الأولى بقولهم: سمعنا وأطعنا غفرانك، وقرأوا هذه الآية الثانية (نسخها الله) سبحانه و (تعالى)، أي نسخ الآية الأولى، يعني قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] أي رفع عنهم موجبها ومقتضاها تهوينًا للخطب عليهم، ببيان أن المراد بما في أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة، لا ما يعم الخواطر التي لا يستطاع الاحتراز عنها (فأنزل الله) في نسخها (عز) أي اتصف بجميع الكمالات (وجل) أي تنزه عن جميع النقائص، قوله ({لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا}) أي لا يلزم الله نفسًا من النفوس ({إلا وُسْعَهَا}) أي إلا ما تطيق عليه، ويتيسر لها فضلًا منه

<<  <  ج: ص:  >  >>