نحن نعتقد أن هذا التفسير انفرد بنظرية جديدة في فهم الوحدة القرآنية- في علمنا- فلقد كان المفسرون على اتجاهات متعددة في هذا الموضوع، بعضهم أهمله كلية، وبعضهم تكلم فيه ولكن في حدود وحدة السورة، وبعضهم تكلم فيه ولكن في حدود الوحدة الموضوعية الكلية للقرآن، بمعنى أن المعاني القرآنية تتكامل ولا تتعارض، وبعضهم تكلم فيه من حيث إن نهاية السورة السابقة لها صلة ببداية السورة اللاحقة، ونحن مع ملاحظتنا لهذا كله نرى أن هناك شيئا آخر قد غفل عنه المفسرون وحاولناه في هذا التفسير، ونعتقد أن هذه هي الميزة لهذا التفسير، إذ ما من شئ فيه إلا ويمكن أن يشاركنا فيه غيرنا، فإذا زاد في جانب فلربما نقص في جانب آخر، ولقد تحدثنا في مقدمة المجلد الأول عما استهدفناه في هذا التفسير بل في السلسلة كلها فلا نعيده.
وفي سورة البقرة حاولنا قدر الإمكان أن نبرز وحدة السورة، ولكنا من سورة آل عمران سنحاول أن نبرز وحدة السورة مع إبرازنا لصلة هذه السورة في السياق القرآني العام، فلقد مر معنا من قبل أنه من خلال السنة، ومن خلال المعاني يتضح لنا أن هذا القرآن أربعة أقسام:
قسم السبع الطوال، وقسم المئين، وقسم المثاني، وقسم المفصل، وأن قسم السبع الطوال ينتهي بنهاية سورة براءة، فهذا القسم في الحقيقة ثمانية سور: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وبراءة.
ومر معنا أن الأنفال وبراءة تشبهان أن تكونا سورة واحدة؛ ولذلك فإنه لم يفصل بينهما بالبسملة.
وكنا ذكرنا كذلك من قبل، أن السور اللاحقة لسورة البقرة من قسم الطوال، تفصل في المعاني التي وردت في سورة البقرة. فمما ذكرناه هناك أن آل عمران. تقابل
الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، وكما أن هذه الآيات مبدوءة ب الم، فإن «آل عمران» مبدوءة ب الم، وكما أن هذه الآيات مختومة بكلمة الفلاح:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فإن سورة آل عمران مختومة بكلمة الفلاح: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وعلى هذا، فسورة آل عمران تلقي أضواء التفصيل على الآيات الأولى من سورة البقرة. وسورة النساء تقابل بعد ذلك في سورة البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ونلاحظ أن سورة النساء مبدوءة ب