للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضوعية يستوي أمامها المؤمنون والجاحدون .. وكما كان كبراء قريش يجدون من هذا القرآن- في جاهليتهم- ما لا قبل لهم بدفعه عن أنفسهم. وهم جاحدون كارهون- كذلك يجد اليوم وغدا كل جاهلي جاحد كاره ما وجد الجاهليون الأولون.

ويبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد .. يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة- متى خلي بينها وبينه لحظة- وحتى الذين رانت على قلوبهم الحجب، وثقل فوقها الركام، تنتفض قلوبهم أحيانا؛ وهم يستمعون إلى هذا القرآن.

إن الذين يقولون كثيرون .. وقد يقولون كلاما يحتوي مبادئ ومذاهب وأفكارا واتجاهات .. ولكن هذا القرآن يتفرد في إيقاعاته على فطرة البشر وقلوبهم فيما يقول! إنه قاهر غلاب بذلك السلطان الغلاب! .. ولقد كان كبراء قريش يقولون لأتباعهم الذين يستخفونهم ويقولون لأنفسهم في الحقيقة .. لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .. لما كانوا يجدونه هم في نفوسهم من مس هذا القرآن وإيقاعه الذي لا يقاوم وما يزال كبراء اليوم يحاولون أن يصرفوا القلوب عن هذا القرآن بما ينزلونه لهم من مكاتيب! غير أن هذا القرآن يظل- مع ذلك كله- غلابا .. وما إن تعرض الآية منه أو الآيات في ثنايا قول البشر، حتى تتميز وتنفرد بإيقاعها وتستولي على الحس الداخلي للسامعين، وتنحى ما عداها من قول البشر المحبر الذي تعب فيه القائلون.

ثم يبقى وراء ذلك مادة هذا القرآن وموضوعه .. وما تتسع صفحات عابرة- في ظلال القرآن- للحديث عن مادة هذا القرآن وموضوعه .. فالقول لا ينتهي والمجال لا يحد! وماذا الذي يمكن أن يقال في صفحات؟!

منهج هذا القرآن العجيب، في مخاطبة الكينونة البشرية بحقائق الوجود .. وهو منهج يواجه هذه الكينونة بجملتها، لا يدع جانبا واحدا منها لا يخاطبه في السياق الواحد.

ولا يدع نافذة واحدة من نوافذها لا يدخل منها إليها؛ ولا يدع خاطرا فيها لا يجاوبه ولا يدع هاتفا فيها لا يلبيه.

منهج هذا القرآن العجيب، وهو يتناول قضايا هذا الوجود، فيكشف منها ما تتلقاه فطرة الإنسان وقلبه وعقله بالتسليم المطلق. والتجاوب الحي والرؤية الواضحة.

وما يطابق كذلك حاجات هذه الفطرة، ويوقظ فيها طاقاتها المكنونة، ويوجهها الوجهة الصحيحة. منهج هذا القرآن العجيب، وهو يأخذ بيد الفطرة الإنسانية خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، ويصعد بها- في هينة ورفق، وفي حيوية كذلك وحرارة،

<<  <  ج: ص:  >  >>