للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم ينتبهوا لهذه الظاهرة التي شاءت رحمة الله بعباده أن تبرزها لأعينهم. ولكنهم كانوا إذا أصابتهم الحسنة والرخاء حسبوها حقا طبيعيا لهم وإذا أصابتهم السيئة والجدب نسبوا هذا إلى شؤم موسى ومن معه عليهم. فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ .. وحين تنحرف الفطرة عن الإيمان بالله، فإنها لا ترى يده- سبحانه- في تصريف هذا الوجود ولا ترى قدره الذي تنشأ به الأشياء والأحداث وعندئذ تفقد إدراكها وحساسيتها بالنواميس الكونية الثابتة النافذة فتفسر الحوادث تفسيرات منفصلة منعزلة لا صلة بينها ولا قاعدة ترابط، وتهيم مع الخرافة في دروب ملتوية متفرقة لا تلتقي عند قاعدة ولا تجتمع وفق نظام- وذلك كالذي قاله خروشوف صاحب الاشتراكية «العلمية» عن معاكسة «الطبيعة» لهم في تعليل نقص الثمرات والغلات- وكما يقول الذين يمضون مع هذه «العلمية» المدعاة في تعليل مثل هذه الأحداث .. وهم ينكرون قدر الله .. وفيهم من يدعي بعد استنكار غيب الله وقدر الله أنه «مسلم» وهو ينكر أصول الإيمان بالله!.

وهكذا مضى فرعون وآله يعللون الأحداث .. الحسنة التي تصيبهم هي من حسن حظهم وهم يستحقونها والسيئة التي تصيبهم هي بشؤم موسى ومن معه عليهم ومن تحت رأسهم، وأصل التطير في لغة العرب ما كان الجاهليون في وثنيتهم وشركهم وبعدهم عن إدراك سنن الله وقدره يزاولونه .. فقد كان الرجل منهم إذا أراد أمرا جاء إلى عش طائر فهيجه عنه فإذا طار عن يمينه- وهو السانح- استبشر بذلك ومضى في الأمر الذي يريده. وإذا طار الطائر عن شماله- وهو البارح- تشاءم به ورجع عما

عزم عليه! فأبطل الإسلام هذا التفكير الخرافي وأحل محله التفكير «العلمي» - العلمي الصحيح- وأرجع الأمور إلى سنن الله الثابتة في الوجود وإلى قدر الله الذي يحقق هذه السنن في كل مرة تتحقق فيها وأقام الأمور على أسس «علمية» يحسب فيها نية الإنسان وعمله وحركته وجهده وتوضع في موضعها الصحيح، في إطار المشيئة الإلهية الطليقة وقدره النافذ المحيط: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ..

إن ما يقع لهم مصدره كله واحد .. إنه من أمر الله .. ومن هذا المصدر تصيبهم الحسنة للابتلاء وتصيبهم السيئة للابتلاء: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ ويصيبهم النكال للجزاء .. ولكن أكثرهم لا يعلمون .. كالذين ينكرون غيب الله وقدره في هذه الأيام باسم «العقلية العلمية» وكالذين ينسبون إلى الطبيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>