للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني إسرائيل بنعمة الله ليقوم على ذلك توكل يدخل فيه اليهود حربا فيرفضون، ويعاقبون. والتربية في ذلك لهذه الأمّة واضحة، وسنرى أنه بعد هذا المقطع سيأتي أمر

لأمتنا بالجهاد فلا ينبغي أن تكون كبني إسرائيل، وأما المعاني العامة في هذه الفقرة الثانية فهي:

يخبر تعالى عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام فيما ذكّر به قومه من نعم الله عليهم، وآلائه لديهم، في جمعه لهم خيري الدنيا والآخرة، لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة. ومن ذلك إرسال الرسل إليهم، وجعلهم أحرارا يتملكون، وتشريف الله إيّاهم على عالمي زمانهم، ثم بنى موسى عليه السلام على هذا التذكير الأمر لهم بالقتال، ودخول الأرض المقدّسة الّتي وعدهم الله إياها على لسان أبيهم إسرائيل- إن كانوا مؤمنين- ونهاهم عن النّكول عن الجهاد، وهدّدهم بالخسران إن نكلوا، فاعتذروا عن الجهاد والدّخول، بأنّ في هذه البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال قومها قوما جبّارين، ذوي خلقة هائلة، وقوّة شديدة، وإنا لا نقدر على مقاتلتهم، ولا مصاولتهم، ولا يمكننا الدّخول إليها ما داموا فيها. فإن يخرجوا منها دخلناها، وإلا فلا طاقة لنا بهم، ثمّ أخبر تعالى أنّ رجلين يخافان أمر الله، ويخشيان عقابه، حرّضا بني إسرائيل بأنهم إن توكلوا على الله، واتّبعوا أمره، ووافقوا رسوله، وقاتلوا وهاجموا؛ أيّدهم الله، ونصرهم، ونجحوا في احتلال الأرض، وهاهنا أصروا مرّة ثانية على النكول، ورفض الدخول، وترك الجهاد، وطالبوا- بكل صفاقة- موسى عليه السلام أن يقاتل هو وربه وحدهما، أما هم فإنهم قاعدون في مكانهم، فاعتذر موسى عليه السلام إلى الله أنه لا يطيعه أحد منهم إلا أخوه، ودعا الله أن يقضي ويفصل بينه وبين قومه الفسقة، فعاقبهم الله- عزّ وجل- حين نكلوا عن الجهاد بتحريم دخولهم عليهم مدّة أربعين سنة، وعاقبهم على ذلك كذلك بالتيه في الأرض، ثم سلّى الله موسى عليه السلام، وأمره ألّا يأسف، وألّا يحزن عليهم فيما حكم عليهم به فإنهم مستحقّون ذلك.

وانتهاء الفقرة بقوله تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ مشعر بأنّ ترك الجهاد المفروض والنكول عنه فسوق. ومشعر بالصّلة بين الفقرة ومحور السورة من سورة البقرة وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ... وأن الجهاد جزء من الميثاق، الذي من تخلى عنه استحق الضّلال والإضلال، وهذا يفهم من أول هذا المقطع وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ... لأن النّصرة الحقيقية الكاملة إنّما تكون بالجهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>