للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل له: قاتِلْ عدوك وجاهِدْهُ، فهذه الجنود خُذْ منها ما شئت، وهذه العُدَدُ الْبَسْ منها ما شئت، وهذه الحصون تَحَصَّنْ منها بأي حصن شئت، ورابِطْ إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جدًّا، فكأنك بالمَلِك الأعظم وقد أَرْسَلَ إليك رُسُلَه، فنقلوك إلى داره، واسترحت من هذا الجهاد، وفُرِّقَ بينك وبين عدوك، وأُطْلِقْتَ في دار الكرامة تتقلَّب فيها كيف شئت، وسُجِن عدوك في أصعب الحُبوس وأنت تراه، فالسجنُ (١) الذي كان يريد أن يُودِعَك فيه قد أُدْخِلَه وأُغْلِقت عليه أبوابه، وأَيِسَ من الخروج والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقَرّت عينك؛ جزَاءً على صبرك في تلك المدة اليسيرة، ولزومك الثغر للرِّباط (٢)، وما كانت إلا ساعةً ثم انقَضَتْ، وكأنّ الشدة لم تكن.

فإن ضَعُفَت النفسُ عن ملاحظة قِصَر الوقت، وسرعة انقضائه فليتدبر قوله ﷿: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، وقوله ﷿ (٣): ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)[النازعات: ٤٦]، وقوله ﷿: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)[المؤمنون: ١١٢ - ١١٤] وقوله ﷿: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤)


(١) (م): "في السّجن"، وهي محتملة.
(٢) (ت): "للجهاد".
(٣) من أول الآية السابقة إلى هنا، من (ح) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>