ذَلِكَ مِنْهُمْ إِعْظَامًا لِلْعِلْمِ وَإِجْلَالًا لَهُ، لَا اسْتِخْفَافًا بِهِ وَتَعْرِيضًا لِإِبْطَالِهِ، كَمَا فَعَلْتَ أَنْتَ.
(١٦٤) وَسَمِعْتُ الطَّيَالِيسِيَّ أَبَا الوَلِيدِ، أَنَّهُ سمع ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: «طَلَبْتُ هَذَا العِلْمَ يَوْمَ طَلَبْتُهُ لِغَيْرِ الله، فَأَعْقَبَنِي منه مَا تَرَوْنَ» (١).
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يقول: لَمْ أَعْرِفْ لِنَفْسِي يَوْمَ طَلَبْتُهُ تِلْكَ النِّيَّةَ الخَالِصَةَ، فَأَعْقَبَنِي مِنْهُ أَنِّي اشْتَغَلْتُ بِتَحْدِيثِ النَّاسِ بِهِ، لَا بِالعَمَلِ بِهِ، وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالعِبَادَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْال عَنْ شَيْءٍ». أَيْ: [٤٦/و] لِمَا أَنَّ الَّذِي سَألتُ عَنْهُ صَارَ عَلَيَّ حُجَّةً.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَيْضًا: «إِنَّا لَسْنَا بِفُقَهَاء، وَلَكنَّا رُوَاةُ الحَدِيثِ».
وَكَمَا قَالَ الحَسَنُ: «هَلْ رَأَيْتَ فقهيًا قَطُّ؟ إِنَّمَا الفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُ فِي الآخِرَةِ، لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، بِنَشْرِ حُكْمِ الله، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ حَمِدَ الله، وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ الله».
فَتَخَوَّفَ القَوْمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَقَدْ كَانُوا أَهْلَهُ، وَمَا زَادَهُمْ تَخَوُّفُهُمْ مِنْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ إِلَّا حُبًّا وعِظمًا، وَلِلْعِلْمِ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا؛ إِذْ خَافُوا أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ صَالحِي أَوْعِيَتِهِ.
وَرَوَى المُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الحَسَنِ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ فِيمَا مَضَى، وفِيمَا بَقِي مُؤمِنًا ازْدَادَ إحساناً إِلَّا ازْدَادَ شَفَقَةً، وَلَا مَضَى مُنَافِقٌ وَلَا بَقِيَ ازْدَادَ إِسَاءَةً إِلَّا ازْدَادَ بِالله غِرَّةً».
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٧١)، من طريق أبي الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute