[طه: ٥]، وَكَمَا قَالَ الرَّسُولُ المُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الأَعْلَى، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ العُلَى». وَتِلْكَ العُرْوَةُ الوُثْقَى، مَنِ انْتَهَى إِلَيْهَا اكْتَفَى، وَمَنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ اعْتَدَى.
ثُمَّ انْتَدَبَ المُعَارِضُ مُتَكَلِّمًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي العَرْشِ، مُتَأَوِّلًا فِي تَفْسِيرِهِ وَمَعْنَاهُ خِلَافَ مَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ العِلْمِ بِالله وَكتابه وآياته، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)}، لَيْسَ لَهُ تَأْوِيلٌ إِلَّا عَلَى أَوْجُهٍ نَصِفُهَا، وَنَكِلُ عِلْمَهَا إِلَى الله.
قَالَ بَعْضُهُمْ: العَرْشُ أَعْلَى الخَلْقِ، وَاللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَبِكُلِّ مَكَانٍ غَيْرَ مَحْوِيٍّ وَلَا مُلَازِقٍ، وَلَا مُمَازِجٍ، وَلَا بَائِنٍ بِاعْتِزَالٍ، وَبِفُرْجَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَلَى العَرْشِ؛ كَجِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: مَا تَرَكْتَ أَنْتَ وَإِمَامُكَ هَذَا مِنَ التَّكْذِيبِ بِالعَرْشِ غَايَةً، وَلَا مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى الله فِيهِ نِهَايَة.
أَوَّلُهُ أَنَّكَ قُلْتَ وَحَكَيْتَ أَنَّ العَرْشَ أَعْلَى الخَلْقِ. وَاللهُ مُكَذِّبُكَ فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧]، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنَّ العَرْشَ أَعْلَى الخَلْقِ وَكَانَ العَرْشُ عَلَى المَاءِ قَبْلَ الخَلْقِ، إِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، وَلَا خَلْقَ غَيْرُ العَرْش وَالمَاءِ؟ وَمِمَّا يَزِيدُكَ تَكْذِيبًا قَوْلُ الله تَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥]، وَقَالَ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: ٧]. أَفَتَحْمِلُ المَلَائِكَةُ فِي دَعْوَاكَ أَعْلَى الخَلْقِ، أَوْ أَسْفَلَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الخَلْقِ؟ وَقَالَ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧)} [الحاقة: ١٧] أَيَحْمِلُونَ يَوْمَئِذٍ أَعْلَى الخَلْقِ وَيَتْرُكُونَ أَسْفَلَهُ؟ أَمِ المَلَائِكَةُ تَحْمِلُ النَّاسَ يَوْم القِيَامَة وَالسَّمَاوَات؛ لِأَنَّهَا أعلا الخَلْقِ؟ فَهَلْ سَمِعَ سَامِعٌ بِمُحَالٍ مِنَ الحُجَجِ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالعَرْشِ نَصًّا وَدَفْعِهِ رَأْسًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ يَكُنِ العَرْشُ فِي دَعْوَاهُ أَعْلَى الخَلْقِ؛ فَقَدْ بَطُلَ العَرْشُ الَّذِي هُوَ أَعْلَى؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute