وإذا رأت المرأة الدم على الحبل لا يكون نفاساً، وهل يكون حيضاً؟ فيه قولان:
قال في الجديد- وهو الأصح؛ وبه قال مالك-: هو حيضٌ؛ لأنها رأت الدم بصفة الحيض في وقته؛ كالحائل، غير أن العدة لا تنقضي؛ لأنه لا يدل على براءة الرحم.
وقال في القديم- وبه قال أبو حنيفة-: لا يكون حيضاً، بل هو استحاضةٌ، يجب عليها أن تصلي وتصوم؛ لأن فم الرحم ينسد في زمان الحبل، فلا يخرج دم الحيض.
فإن جعلناه حيضاً فلو رأت بعده بأقل من خمسة عشر يوماً، فالدم الخارج بعد الولادة نفاسٌ، والأول ليس بنفاسٍ؛ وهو حيض على الصحيح.
وقيل: الأول دمُ فسادٍ؛ لأنه لم يتخلل بينهما طُهرٌ كاملٌ، والأول أصح؛ لأن الطهر الكامل إنما يشترط بين الدمين إذا كانا من جنسٍ واحد، وهاهنا أحد الدمين نفاسٌ، والآخر حيض، فلا يشترط بينهما طهرٌ كامل.
واختلف أصحابنا في الدم الخارج مع الولد: منهم من قال- وهو الأصح-: لا يكون نفاساً؛ لأنه لم يخرج عقب الولادة؛ فهو كالخارج قبل الولادة.
وقال أبو إسحاق: هو نفاسٌ؛ أنه خرج مع نفس كالخارج بعده.
وقيل: هو كالخارج بين الولدين.
ولو أتت بتوأمين، فالدم الخارج بين الولدين، هل يكون نفاساً؟ فيه وجهان:
أصحهما، وبه قال محمد بن الحسن: ليس بنفاسٍ وهو كالخارج قبل الولادة؛ لأنه خرج قبل فراغ الرحم.
والثاني: وبه قال صاحب "التلخيص"، وهو قول أبي حنيفة-: هو نفاسٌ؛ لأنه خرج عقب نفسٍ؛ فعلى هذا مدة أكثر النفاس من أي وقت تكون؟ فيه وجهان:
أحدهما: من ولادة الأول؛ لأنا لو اعتبرنا من ولادة الثاني تزيد مدة النفاس على الستين.
والثاني- وهو الأصح-: يعتبر من ولادة الثاني، وإن زاد على الستين؛ لأنهما نفاسان، دخل أحدهما على الآخر؛ كما لو وطئ امرأة بالشبهة، يجب عليها أن تعتد ثلاثة أقراءٍ، فلو شرعت في العدة، ثم وطئها في خلال العدة، تستأنف العدة، وإن زاد مجموعهما على ثلاثة أقراء؛ لأنهما عدتان.