وكذلك: دخل بنو خزاعة عام الحديبية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنو بكر في عهد أهل مكة، فعدا بنو بكر على بني خزاعة، وأعانهم ثلاثة نفر من قريش، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نقضاً للعهد في حق الكل بإيوائهم الثلاثة، وقصدهم عام الفتح.
وإن نقض بعضهم العهد، وأنكر الباقون، فاعتزلوهم، أو أرسلوا إلى الإمام بذلك-: ينقض عهد من نقض، ولا ينتقض عهد من أنكر.
وإن كان من لم ينقض مختلطاً بمن نقض-: أمر من لم ينقض بتسليم من نقض، إن قدروا بالتمييز عنهم، فإن لم يفعل هذين مع القدرة: انتقضت هدنتهم؛ لأنهم صاروا مظاهرين لأهل الحرب، والله - عز وجل- يقول:{وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}[التوبة: ٤]، فإن لم يقدروا على ذلك-: لم ينتقض عهدهم.
وإن أسر الإمام قوماً منهم، فادعوا أنهم ليسوا ممن نقض العهد، وأشكل على الإمام-: قُبِلَ قولهم؛ لأنه لا يتوصل إلى معرفته إلا من جهتهم، وإن ظهر منهم ما يخاف معه الخيانة-: لا ينتقض به عهدهم، ولكن يجوز للإمام أن ينبذ إليهم عهدهم؛ لقوله عز وجل:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال: ٥٨].
وإن خاف من أهل الذمة خيانة-: لم ينبذ إليهم عهدهم؛ لأن النظر فيعقد الذمة لهم؛ ولهذا: إذا طلبوا عقد الذمة-: وجبت الإجابة؛ فلم ينقض؛ لخوف الخيانة، والنظر فيعقد الهدنة لنا.
وكذلك: إذا طلبوا الهدنة- كان النظر [فيه] على الإمام: فإن رأى عقدها-: عقد؛ وإلا لم يعقد؛ فكان النظر إليه في نقضها عند الخوف؛ وذلك لأن أهل الذمة في قبضته: فإن ظهر منهم خيانة-: أمكنه تداركها، وأهل الهدنة خارجون عن قبضته: فإذا ظهرت خيانتهم-: لم يمكن تدارها، فجاز نقضها بالخوف.
أما إذا لم يظهر منهم ما يخاف معه الخيانة-: لم يجز نقضها؛ لأن الله عز وجل علق النبذ بخوف الخيانة هـ.