للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجاب الشاطبي عن هذا بجواب حاصله: أن التخصيص غير وارد وذلك أن اللفظ إذا بقيت دلالته فلا تخصيص وهذا ظاهر.

وإذا لم تبق دلالته على أصل الوضع الإِفرادي فذلك سببه كما ورد في الاعتراض وقوع الوضع الاستعمالي، وهذا الوضع الاستعمالي ذو أصالة مستقلة عن الوضع الإِفرادي، بل هو شبيه بالحقيقة العرفية القابلة للحقيقة اللغوية، فمقابلة الوضع الإِفرادي للاستعمالي كمقابلة الحقيقة اللغوية للعرفية، فهما وضعان حقيقان لا مجازيان وعليه فإن العموم الاستعمالي وضع حقيقي لا مجازي.

والدليل على ذلك هو ما ثبت في الأصول العربية من أن اللفظ العربي له أصالتان قياسية واستعمالية، والاستعمالية أصالة أخرى غير ما للفظ في أصل الوضع، وعلى هذا فإن "الاستعمالي" وضع ثان وليس تخصيصًا للوضع الأول.

• الاعتراض الثاني: أن "الاستعمالي" لا يؤثر في دلالة اللفظ حال الإِفراد، ولا يصير وضعًا ثانيًا، بل هو باق على أصله ثم يأتي التخصيص بمتصل أو بمنفصل بعد ذلك.

والدليل على صحة هذا الاعتراض: أن العرب تفهم التعميم من ورود اللفظ العام في سياق الاستعمال حتى يأتي مخصص له، مع أن هناك من الأمثلة ما دل السياق فيها على خلاف ما فهموا، والأمثلة تبين المقصود ومنها:

١ - فهمهم لقوله تعالى:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (١).

فقال الصحابة: أينا لم يلبس إيمانه بظلم، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم".


(١) سورة الأنعام: آية ٨٢.

<<  <   >  >>