للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدليل على ذلك:

أن هذا الذي أشار إليه المفسرون كله مظاهر حقيقية لإِتمام النعمة، فإكمال الدين من إتمام النعمة، وإفراد المسلمين بالبيت من إتمام النعمة، ولا تضاد .. ولذلك كان من فقه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن جمع المعنيين معاً فقد نقل عنه ابن جرير بإسناد واحد هذين المعنيين .. فقال عند تفسير "اليوم أكملت لكم دينكم .. " "حدثني المثنى قال ثنا عبد الله قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس، قوله: "اليوم أكملت لكم دينكم" وهو الإِسلام قال: أخبر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإِيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً" (١) ..

ونقل عنه بالإِسناد نفسه في تفسير آخر الآية: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، قال "كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً فلما نزلت براءة فنفي المشركون (٢) عن البيت وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من إتمام النعمة" (٣).

فهذا المنقول عن ابن عباس في الموضعين بهذين الإِسنادين نقلهما ابن جرير في كتابه وقابل بينها واختار الثاني من دون الأول (٤)، والصواب - والله أعلم - أنه لا منافاة بين المعنيين بل أحدهما عام وهو الأول، والثاني من تطبيقاته ومفرداته، فقد أتم الله الدين لهم .. وأتم النعمة لهم بإفرادهم بالبيت وهذا من إتمام الدين لأنه حكم من أحكامه كلفهم الله به فأقاموه حيث طردوا المشركين عن البيت.

بقي أن يقال: كيف يكون الإتمام وقد نزلت أحكام بعد هذه الآية .. والجواب يأتي بعد ذكر الشبهة الثانية.


(١) ٦/ ٧٩.
(٢) في المطبوع "المشركين" والصحيح ما أثبته في المتن.
(٣) ٦/ ٨١.
(٤) ٦/ ٨٠.

<<  <   >  >>