وَيَنْبَغِي تَقْييدُ الإطلاقِ بما إذا لم يكنِ المحذوفُ مُتعلِّقاً بالمأتيِّ بِهِ تَعَلُّقاً يُخِلُّ بالمعنى حَذْفُهُ، كالاستثناءِ، والحالِ، ونحوِ ذلكَ، كما سيأتي في القولِ الرابعِ. فإنْ كانَ كذلكَ لم يَجُزْ بلا خلافٍ، وبهِ جزمَ أبو بكرٍ الصَّيْرَفيُّ () وغيرُهُ، وهو واضحٌ.
والثالثُ: أَنَّهُ إِنْ لم يكنْ رواهُ على التمامِ مَرَّةً أخرى هو أو غيرُهُ، لم يَجُزْ. وإنْ كانَ رواهُ على التمَامِ مَرَّةً أُخرى هو أو غيرُه جازَ () . وإليهِ الإشارةُ بقولي:(أو إنْ أُتِمَّ) أي: أو أجِزْهُ إِنْ أَتَمَّ مرَّةً ما، منهُ أو من غيرِهِ.
والقولُ الرابعُ: وهو الصحيحُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ يجوزُ ذلكَ مِنَ العالمِ العارفِ إذا كانَ ما تركَهُ متمَيّزاً عمَّا نَقَلَهُ، غيرَ متعلِّقٍ بهِ، بحيثُ لا يختلُّ البيانُ، ولا تختلفُ الدلالةُ، فيما نَقَلَهُ بتركِ ما تَرَكَهُ. قالَ: فهذا ينبغي أنْ يُجَوَّزَ، وإنْ لم يَجُزِ النقلُ بالمعنى () ؛ لأنَّ ذلكَ بمنْزلةِ خبرينِ منفصلينِ)) () . وإلى تصحيحِ هَذَا القولِ الإشارةُ بقولي:(وَمِزْ ذا بالصَّحِيحِ) .
وليسَ للمُتَّهمِ أنْ يحذفَ بعضَ الحديثِ، كما ذكرَ الخطيبُ () أنَّ مَنْ روى حديثاً على التَّمامِ، وخافَ إِنْ رواهُ مرَّةً أُخرى على النقصانِ أَنْ يُتَّهَمَ بأَنَّهُ زادَ في أَولِ مرَّةٍ ما لَمْ يكنْ سَمِعَهُ أو أَنَّهُ نسيَ في الثاني باقي الحديثِ؛ لقلَّةِ ضَبْطِهِ، وكثرةِ غَلَطِهِ، فواجبٌ عليهِ أَنْ ينفي هذهِ الظِنَّةَ عنْ نفسِهِ. وقالَ سُلَيمٌ الرَّازيُّ:((مَنْ رَوَى بعضَ الخبرِ، ثُمَّ أرادَ أنْ ينقلَ تمامَهُ، وَكَانَ ممَّنْ يُتَّهَمُ بأنَّهُ زادَ في حديثِه ِ؛ كانَ ذلكَ عُذْرَاً لهُ في تركِ الزيادةِ، وكتمانِها)) () . وإليهِ الإشارةُ بقولي:(فإنْ أبى) أي: فإنْ خَالَفَ،