من خداع الألفاظ. الذي كثيرًا ما يكون المطية للخطأ؛ لأنهم أطلقوا على ما يأخذه المستثمر فائدة مال لا سعي فيه، فأوهمتهم كلمة "الفائدة" أنها ربوية، ولكن في نظره أن المصرف يتعرض للربح والخسارة، فكم من مصارف توقفت وتعرضت لشهر الإفلاس، ولهذا فإنه لا ضمانة حتمية للمال الأصلي نفسه، فضلًا عن الربح الدائم، وينتهي إلى أن هذا الأمر يخرج التعامل المصرفي من باب الربويات، وأنه مباح والفائدة فيه مباحة (١).
وفي فصل آخر يتناول قضية الحدود فيقول: "وخلاصة ما انتهيت إليه أن العقوبات المنصوصة ليست مقصودة بأعيانها حرفيًا بل بغاياتها. . . وليس معنى هذا الرأي أن عقوبة القطع في السرقة ليست هي الأصل، وأنها لا تطبق، بل أعني أن العقوبة المذكورة غايتها الردع الحاسم، فكل ما أدى مؤداها يكون بمثابتها، وتظل هي الحد الأقصى الأقسى بعد أن لا تفي الروادع الأخرى وتستنفد. . . ومثلها الجلد في موجبه. . . وجل ما في الرأي الذي طرحه، أنه أشبه بما يتبع في القوانين الجزائية، من النص على عقوبة ما فيتعداها ويتجاوزها القاضي إلى الأخف، فيحكم بالغرامة لا بالسجن وذلك تبعًا للدواعي والملابسات والظروف.
وانتهيت إلى هذا الرأي انسياقًا مع روح القرآن الكريم، الذي جعل القصاص صيانة للحياة، وإشاعة للأمن العام، وليس لجعل المجتمع مجموعة مشوهين، هذا مقطوع اليد والآخر مقطوع الرجل، والآخر مفقوء العين أو مصلوم الأذن أو مجدوع الأنف. .
. . . والقرآن إن في السرقة أو الزنا عبَّر بصيغة اسم الفاعل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}[المائدة: ٣٨]{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}[النور: ٢] ومعروف أن التحلية بأداة التعريف في هذا المورد، تجعله أقرب إلى النسبة؛ أي: من غدا هذا وهذه ديدنه ..
. . . ولأن القرآن الكريم سبق إلى تقرير أن أكثر التجاوزات ضد المجتمع والتعديات الجزائية ناشئة عن حالات مرضية -ويستدل هنا بقوله تعالى:{يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء: ١٧]- مصدرها في الغالب البيئة، وما يكمن فيها من عوامل