للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتغيرة أبدًا، ويبدو ذلك أكثر صراحة ووضوحًا في عبارته التالية، في وصف ما يسميه الشريعة العملية "فالشريعة العملية إذن هي من البيان بحيث تغدو طوع البنان إزاء الظروف الموجب مهما بدا متعسرًا ومتعذرًا" ويقول أيضًا: "وإذا ضممنا الحديث السابق -يعني: حديث التجديد- إلى مثيل له، وهو "أني بعثت بالحنيفية السمحة" يتضح ببيان جلي أن خاصية الشريعة الأولى هي الطواعية" (١).

ويضيف المؤلف حديثًا آخر مخضعًا إياه كسابقيه لفهمه الخاص الجديد، حين يقول: "وإذا كان الإسلام العملي مصدر إبداع، فقد صوره الحديث النبوي بما هو أجمع وأكمل: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ. . ." ولكن لا كما فهمه القدماء بظنهم أن كلمة "غريبًا" من الغربة، بل هي من الغرابة؛ أي: الإدهاش مما لا يفتأ يطالعك به من جديد، حتى لنقول إزاءه في كل عصر: "إن هذا لشيء عجاب" (٢).

والكاتب في نظرته للشريعة "العملية" كما يسميها لا يحتج إلا بالقرآن فقط والحديث المشهور، وما دون ذلك فهو عنده مما يستأنس به فقط، ولكن لا تقوم به حجة، يقول: "إني في الواقع لا أقول ولا أعتد إلا بالكتاب الكريم والمشهور من الحديث الذي هو في قوة المتواتر، وبالمنطق الفقهي الشامل لعلوم الخلاف والأصول والاستدلال، وما عدا ذلك لا أرتفع أو أرقى به عن مقام الاستئناس إلى مقام الحجية، لأكون صميمًا مع الإسلام العملي الصحيح" (٣). ومن الواضح أن عبارة المنطق الفقهي الشامل عبارة واسعة عامة ولا حرج أن تتسع ما أمكن لها أن تتسع!.

ويستمر الكاتب ليدلل على موقفه في الاحتجاج بالكتاب فقط بقوله: "فقد جاء في الحديث (٤): "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليس عندنا إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه". . . فالأمر الشرعي بينهما فقط؛ أي: القرآن والفطنة في معقوله. . . ونحن حين نمعن النظر في تعبير "إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه" "والعدول عن السائغ" "يعطاه رجل" ندرك أن المقصود به اللقانة؛ أي:


(١) "أين الخطأ" العلايلي ص ١٦ و ١٧.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٣.
(٣) المصدر نفسه ص ١٩، وانظر: ص ٧٩.
(٤) هذا مروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.