ولا توجب دمًا مثل رفع الصوت بالإهلال، والإكثار منه، وسوق الهدي، وذكر الله في تلك الموضع، وقلة الكلام إلاَّ في أمر ونهي، فمن فعل ذلك الواجب وترك المحظور فقد تمَّ حجه وعمرته. وهو مقتصد من أصحاب اليمين في هذا العمل. لكن من أتى بالمستحب فهو أكمل وأتم حجًا وعملاً، وهو سابق مقرَّب.
ومن ترك المأمور وفعل المحظور لكنه أتى بأركانه وترك مفسداته فحجه ناقص، يثاب على ما فعله من الحج ويعاقب على ما تركه، وقد سقط عنه أصل الفرض. إلى أن قال: فمسألة تكفير أهل الأهواء والبدع متفرعة على هذا الأصل.
ثم ذكر مذاهب الأئمة في ذلك وذكر تكفير الإمام أحمد للجهمية، وذكر كلام السلف في تكفيرهم وإخراجهم من الثلاث والسبعين فرقة، وغلَّظ القول فيهم، وذكر الروايتين في تكفير من لم يكفرهم.
وذكر أن أصول هذه الفرق، هم الخوارج والشيعة، والمرجئة والقدرية، ثم أطال الكلام في عدم تكفير هذه الأصناف، واحتج بحديث أبي هريرة، ثم قال: وإذا كان كذلك فالمخطئ في بعض المسائل إما أن يلحق بالكفار من المشركين وأهل الكتاب، مع مبيانته لهم في عامة أصول الإيمان.
فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرَّمات الظاهرة: هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين. وإذا كان لا بد من إلحاق - أي المخطئ - بأحد الصنفين، فإلحاقه بالمؤمنين المخطئين أشد شبهًا من إلحاقه بالمشركين وأهل الكتاب. مع العلم بأن كثيرًا من أهل البدع منافقون النفاق الأكبر، فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم من زنادقة منافقين. وأولئك في الدرك الأسفل من النار.