يستظل، ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب؛ إعظاما لسماع خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- (١)، ولم يجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك قربةً يُوفي بنذره، مع أن القيام عبادة في مواضع أُخَر، كالصلاة، والأذان، والدعاء بعرفة، والبروزُ للشمس قربةٌ للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن، يكون قربة في كل المواطن، وإنما يُتبع في ذلك كلِّه ما وردت به الشريعة في مواضعها. وكذلك من تقرب بعبادة، نُهي عنها بخصوصها، كمن صام يوم العيد، أو صلى وقت النهي.
وأما من عَمِلَ عملا أصله مشروع وقربة، ثم أدخل فيه ما ليس بمشروع، أو أَخَلّ فيه بمشروع، فهذا أيضا مخالف للشريعة، بقدر إخلاله بما أخل به، أو إدخاله ما أدخل فيه، وهل يكون عمله من أصله مردودا عليه أو لا؟ فهذا لا يُطلق القول فيه برد ولا قبول، بل ينظر فيه، فإن كان ما أخل به من أجزاء العمل، أو شروطه موجبا لبطلانه في الشريعة، كمن أخل بالطهارة مع القدرة عليها، أو كمن أخل بالركوع أو بالسجود، أو بالطمأنينة فيهما، فهذا عمل مردود عليه، وعليه إعادته إن كان فرضًا. وإن كان ما أخل به لا يوجب بطلان العمل، كمن أخل بالجماعة للصلاة المكتوبة عند من يوجبها، ولا يجعلها شرطًا، فهذا لا يقال: إن عمله مردود من أصله، بل هو ناقص.
وإن كان قد زاد في العمل المشروع ما ليس بمشروع، فزيادته مردودة عليه، بمعنى أنها لا تكون قربة، ولا يثاب عليها، ولكن تارة يبطل بها العمل من أصله، فيكون مردودًا، كمن زاد ركعة عمدا في صلاته مثلًا، وتارة لا يبطله، ولا يرده من أصله، كمن توضأ أربعًا أربعًا، أو صام الليل مع النهار، وواصل في صيامه. وقد يبدل ما يؤمر به في العبادة بما هو منهي عنه، كمن ستر عورته في الصلاة بثوب محرم، أو توضأ للصلاة بماء مغصوب، أو صلى في بقعة غصب، فهذا قد اختلف العلماء فيه، هل عمله مردود من أصله، أو أنه غير مردود، وتبرأ به الذمة من عُهْدة الواجب، وأكثر الفقهاء
(١) أخرجه الطبرانيّ في "الكبير" ١١/ ٣٢٠ رقم (٣٢٠).