سخطها رَدّها، وصاعا من تمر". فقد خيّر -صلى الله عليه وسلم- المشتري بين الرضا، وبين الردّ مع صاع من تمر، فدلّ على أن النهي ليس للفساد، وكذا كلّ نهي دلّ النصّ على عدم اقتضائه الفساد، وما عدا ذلك كلّه على الفساد. والله تعالى أعلم.
٦ - (ومنها): أن هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله، فلا يلتفت إليه. قال النووي: هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك. وقال الطرقي: هذا الحديث يصلح أن يُسمَّى نصف أدلة الشرع؛ لأن الدليل يتركب من مقدمتين، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم، أو نفيه، وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه؛ لأن منطوقه مقدمة كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يُقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع، وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأولى، ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح، مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه أمر الشرع، وكل ما كان عليه أمر الشرع فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، والأولى فيها النزاع، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه، لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشرع، لكن هذا الثاني لا يوجد، فإذًا حديث الباب نصف أدلة الشرع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قد كتب الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "جامع العلوم والحكم" بحثًا نفيسًا في هذا الحديث، أحببت إيراده هنا تتميمًا للفائدة، وتكميلًا للعائدة، قال رحمه الله:
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، كما أن حديث: "الأعمالُ بالنيات" ميزان للأعمال في باطنها، وهو ميزان للأعمال في ظاهرها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله تعالى