حوار وتجاوب بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، وحِرْصٌ من النبى - صلى الله عليه وسلم - على الإبلاغ، ومن أهل مجلسه على التحمّل. وتعمُّق الإمام الأكبر في بيان وجوه معانيه وأسراره متولدٌ بدون شك من وقوفه على الروايتين الواردتين فيه.
فيحيى بن يحيى الليثي وابن القاسم روياه بلفظ:"لا تخبرنا"، بصيغة النهي. ورواه عبد الله بن مسلمة القعنبي بلفظ "ألا" التي للعرض. وقال: ألا تخبرنا، بزيادة الهمزة على "لا" في الرواية الأولى.
ويترتب على هذا الاختلاف في الرواية اختلاف في المعنى، وحصول تأويلات لضبط دلالته، وسبب داع إلى الترجيح بين الروايتين المختلفتين أو الجمع بينهما، وهذا الاهتمام بلفظ الحديث ومتنه يكشف عن إرادة قوية وعزم شديد على تتبّع الآثار النبويّة، ودقّة فهمها، وجودة تقديمها، وضرب المثل في حُسن الدراية.
يقول الشيخ ابن عاشور: ففي رواية يحيى وابن القاسم أشكل على الشارِحين موقع لفظ "لا تخبرنا" في الرواية الأولى، فتأوّله المتأوّلون. وذهب الباجي في المنتقى إلى أن الرجل أراد أن تتسابق أفهام الحاضرين، اجتهاداً منهم، إلى تعيين هذين الاثنين. وهذا أقرب ما ورد من التآويل. وليس في حكاية الراوي ما يؤذن بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد اختبارَ فهمِ أصحابه، فيكون لفظ "لا تخبرنا" ما اقتضاه الكلام، ولأن الخبر متعلق بأمر الآخرة، وهو مما لا مجال للعقول في تعيينه.
وفي رواية القعنبي:"ألا تخبرنا" وهى أقرب الروايات. فهي تقتضي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك وسكت قليلاً أو اشتغل بشيء. فقال ذلك أربع مرات.