للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفي بذلك. وكان الأرجح فيها قول أشهب: إن القاتل يجبر على دفع المال، خلافاً لابن القاسم (١). ولذلك لم يختلفوا في أن عفو بعض الأولياء عن الدم يسقط القصاص. وهذا كله في غير القتل في الحرابة وغير الغيلة كما سنشير إليه.

وأما الأمر الثالث - وهو: زجر المقتدي - فهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٢). قال ابن العربي في أحكام القرآن: "إن الحد يردع المحدود، ومن شهده وحضره يتَّعِظ به ويزدجر لأجله، ويشيع حديثه فيعتبرُ به مَن بعدَه" (٣).

وهو راجع إلى إصلاح مجموع الأمة، فإن التحقّق من إقامة العقاب على الجناة على قواعد معلومة يؤيس أهل الدعارة من الإقدام على إرضاء شياطين نفوسهم في ارتكاب الجنايات، فكل مظهر أَثَّرَ انزجاراً فهو عقوبة. لكنه لا يجوز أن يكون زجر العموم بغير العدل.


(١) في مواهب الجليل: إذا وقعت الجناية من مكلف فالواجب في ذلك عند ابن القاسم: القود، وهو القصاص. وليس لورثة القتيل أن يعفوا على الدية. وليس للمجني عليه أن يعفو في الجراح على الديّة. وقال أشهب: الواجب التخيير بين القصاص والديّة. وهو اختيار جماعة من المتأخرين إعمالاً للحديث الصحيح: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين". وقال أشهب: إن طلب الأولياء منه الديّة فإنه يجبر على ذلك إن كان ملياً. وقال ابن يونس: قال مالك: وقاتل العمد، يطلب منه الأولياء الدية فيأبى إلا أن يقتلوه، فليس لهم إلا القتل، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} البقرة: ١٧٨. وقال أشهب: ليس له أن يأبى، ويجبر على ذلك إن كان ملياً. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه جعل للأولياء إن أحبوا أن يقتلوا فليقتلوا وإن أحبوا أخذوا الديّة". الحطاب: ٦/ ٢٣٤. انظر ابن رشد. البيان والتحصيل: ١٥/ ٤٤٦؛ المقدمات: ٣/ ٢٨٨، ٢٨٩.
(٢) النور: ٢.
(٣) المسألة الثامنة في بداية تفسير النور. ابن العربي. الأحكام: ٣/ ١٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>