للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجتمع اليوم في أحد. فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان أن يولّى العلمُ والورعُ" (١) فيتعين أن يكون القاضي أمثل العلماء الصالحين للقضاء، وبمقدار قوة علمه يزداد ترجُّحُه.

وقد اختلف في اشتراط كون القاضي مجتهداً إن وجد، أي إذا اشتهر بذلك وسُلّمت له مرتبة الاجتهاد من طائفة علماء عصره. وعندي أن العالِم المقلد لمذهب مجتهد مشهور، العالِمَ بالأدلة لا يقصر في استحقاق القضاء عن المجتهد، لا سيّما حين صار المسلمون مقلدين لمذاهب معلومة الصحّة مشهورة العلم. فلعل أولئك المقلدين لا يتلقون علمَ المجتهد المخالف للمذهب الذي تقلدوه. ولذلك فلا ينبغي أن يُختلَفَ في أن ولاية الفقيه المقلَّد إنما تكون للفقيه في المذهب الذي تقلده الناس الذين يقضي بينهم. وقد استمر عمل ولاة الأمصار الإِسلامية على ذلك فكانوا يولون القضاة من علماء مذاهب القوم الذين نصب القاضي فيهم. فإن كان في المصر أتباع لمذاهب كثيرة نصَبوا فيه قضاةً بعدد أتباع تلك المذاهب، ليكون ذلك مُطَمْئناً لهم لما قدمناه في باب حرمة الشريعة، على ما فيه من تشتت، ولكنهم لم يتوصلوا إلى إقناع طبقات الأمم بطريقة أخرى أقرب إلى التسليم. وليست إلَّا طريقةَ أخذ الأصلح من مجموع أقوال العلماء.


(١) ابن رشد. المقدمات: ٢/ ٢٥٩، ٢٦٠:
وقالوا: إن شروط الكمال فيمن يولى القضاء خمسة ينتفي عنها وخمسة لا ينفك منها. وهذه الأخيرة هي: أن يكون فطناً، نزيهاً، مهيباً، حليماً، مستشيراً لأهل العلم والرأي. وزاد بعضهم: سليماً من بطانة السوء، لا يبالي في الله لومة لائم، وَرعاً، بلدياً، غير زائد في الدهاء. وللقاضي عبد الوهاب مقالة في ذلك مهمّة عقَّب عليها ابن فرحون بما نقله عن مالك. ابن فرحون. التبصرة: ١٠/ ٢٠ - ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>