للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (١). فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب. فالأقوام الذين لا يتخذون الجلابيب لا ينالهم من هذا التشريع نصيب.

والتفقه في هذا والتهمّمُ بإدراك علل التشريع في مثله يلوح لنا منه بارقُ فرق بين ما يصلح من جزئيات الشريعة لأن يكون أصلاً يقاس عليه نظيره، وبين ما لا يصلح لذلك. فليس الأمر في التشريع على سواء.

ولقد يُعدّ مما يناسب عموم الشريعة أنها أوكلت أموراً كثيرة لاجتهاد علمائها مما لم يقم دليل على تعيين حكمه وإرادة راويه. وفي الحديث: "إن الله حدَّد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" (٢). وإلى هذا يرجع ما قدمنا عن نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكتبوا عنه غير القرآن خشية التباس التشريع العام بالتشريع الخاص، وقد كان الصحابة يتأسون ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قضى به، ولم يرد فيه نص لفظي يقتضي الدوام لأنه ينير لهم وجوه الحق، ولأن أحوالهم كانت قريبة من الحال التي


(١) الأحزاب: ٥٩.
(٢) نص الحديث كاملاً كما رواه مكحول عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عزّ وجلّ فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحرّم حرمات فلا تنتهكوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها". الدارقطني. آخر كتاب الرضاع: ٤/ ١٨٣ - ١٨٤، ع ٤٢؛ الحاكم: ٤/ ١١٥. وقد حسّن إسناده الإمام النووي في الأربعون النووية، الحديث الثلاثون.
وله لفظ آخر رواه طاوس اليماني عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تكلفوها، رحمة من ربكم؛ فاقبلوها". الدارقطني. آخر كتاب السنن، باب الصيد والذبح والأطعمة: ٤/ ٢٩٧، ع ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>