للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: قد مُثّل في أصول الفقه بمن سقط على جماعة من الجرحى، بحيث إذا وطئ على واحدٍ قتله، فإذا انتقل على غيره قتله أيضاً. فقيل: يبقى واطئاً لمن نزل عليه. وقيل: يخيّر (١). ويظهر التخيير واضحاً في تصرّفات ولاة الأمور عند تعارض المصلحتين العامتين كتوسيع طريق بين جبلين يفضي إلى بلد بتضييق طريق بينهما يفضي إلى بلد آخر (٢).

وممّا يجب التنبّه له أن التخيير لا يكون إلّا بعد استفراغ الوسع في تحصيل مُرجِّح مّا ثم العجز عن تحصيله. وفي طرق الترجيح قد يحصل اختلاف بين العلماء، فعلى الفقيه تحقيقُ الأمر في ذلك.

ويُعرفُ الترجيح بوجوه منها: أهميةُ ما يترتب على المصلحة على ما يترتب على غيرها، كتقديم مصلحة الإيمان على مصلحة الأعمال، وتقديم إنقاذ الأنفس عند الأخطار على إنقاذ الأموال،


(١) ورد هذا المثال افتراضاً بلفظ "الصرعى" بدل "الجرحى". ونصه ما ذكر في البرهان: من تردى في بئر من غير تعدٍّ ووقع على مصروع، ولو مكث عليه لمات، وفيه صرعى، لو انتقل إلى غيره، لمات المنتقل إليه. هذه واقعة بحسب المفترض خلت عن حكم الله - قال في الجواب: لا - لم تخل من حكم الله - ولا يعتقد خلو واقعة عن حكم الله ولا نرى ذلك في قواعد الدين، ولأن التردد أو التخير في هذه الواقعة للمتردي استواء الإقدام والإحجام وهو حقيقة الإباحة. الجويني. البرهان، المسألة ١٥٣١، ١٥٣٤: ٢/ ١٣٥٠ - ١٣٥١. وصورة قريبة منها، إذا وقع رجل على طفل من بين أطفال إن أقام على أحدهم قتله. ابن عبد السلام. القواعد: ١/ ٩٦.
(٢) قريب من هذه الصورة، الطريق يشق أرض رجل فيريد أن يحولها إلى موضع آخر من أرضه هو أوفق به وبأهل الطريق. قال ابن الماجشون: أرى أن يرفع أمرها إلى الإمام، لأن الإمام هو الناظر لجميع المسلمين، وهو بمكانهم في ذلك. ابن فرحون. التبصرة: ٢/ ٢٧٤، ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>