للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّالِحُونَ، وَمَا بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، يَأْتِي بَعْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَ الْفَارَقْلِيطَ بِصِفَاتٍ لَا تُنَاسِبُ هَذَا، وَإِنَّمَا تُنَاسِبُ رَجُلًا يَأْتِي بَعْدَهُ نَظِيرًا لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْأَبِ أَنْ يُعْطِيَكُمْ فَارَقْلِيطَ آخَرَ، يَثْبُتُ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ) . فَقَوْلُهُ: (فَارَقْلِيطَ آخَرَ) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ثَانٍ لِأَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمَسِيحِ إِلَّا هُوَ، لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رُوحٌ، فَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ نَظِيرًا لَهُ، لَيْسَ أَمْرًا مُعْتَادًا يَأْتِي لِلنَّاسِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ: (يَثْبُتُ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ) ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَدُومُ، وَيَبْقَى مَعَهُمْ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بَقَاءَ ذَاتِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بَقَاءُ شَرَعِهِ وَأَمَرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ الْأَوَّلَ لَمْ يَثْبُتْ مَعَهُمْ شَرْعُهُ وَدِينُهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الثَّانِي صَاحِبُ شَرْعٍ لَا يُنْسَخُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْفَارَقْلِيطَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ يَشْهَدُ لَهُ، وَيُعَلِّمُهُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يُذَكِّرُكُمْ كُلَّ مَا قَالَ الْمَسِيحُ، وَأَنَّهُ يُوَبِّخُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيئَتِهِ فَقَالَ: (وَالْفَارَقْلِيطُ الَّذِي يُرْسِلُهُ أَبِي هُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>