لَكِنْ إِذَا تَخَيَّلَ الْمُتَخَيِّلُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ اللَّهَ مِثْلُهُ، تَخَيَّلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِوَاؤُهُ كَاسْتِوَائِهِ، وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، عَلِمَ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ لَيْسَ كَاسْتِوَائِهِ، وَمَجِيئَهُ كَمَجِيئِهِ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَرِضَاهُ وَغَضَبَهُ، لَيْسَ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ.
وَمَا بَيْنَ الْأَسْمَاءِ مِنَ الْمَعْنَى الْعَامِّ الْكُلِّيِّ كَمَا بَيْنَ قَوْلِنَا: حَيٌّ وَحَيٌّ، وَعَالِمٌ وَعَالِمٌ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْعَامُّ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ لَا يُوجَدُ عَامًّا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي الْعِلْمِ وَالذِّهْنِ، وَإِلَّا فَالَّذِي فِي الْخَارِجِ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِالْمَوْصُوفِ.
فَصِفَاتُ الرَّبِّ - عَزَّ وَجَلَّ - مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَصِفَاتُ الْمَخْلُوقِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَلَا بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُمْ: (لَمَّا كَانَ اعْتِقَادُهُمْ فِي الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذِي جِسْمٍ) اسْتِعْمَالٌ مِنْهُمْ لِلَفْظِ الْجِسْمِ فِي الْقَدْرِ وَالْغِلَظِ، لَا فِي ذِي الْقَدْرِ وَالْغِلَظِ، وَهَذَا أَحَدُ مَوْرِدَيِ اسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي لُغَةِ الْعَامَّةِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا الثَّوْبُ لَهُ جِسْمٌ، وَهَذَا لَيْسَ لَهُ جِسْمٌ ; أَيْ هَذَا لَهُ غِلَظٌ وَكَثَافَةٌ دُونَ هَذَا.
وَلَكِنَّ النُّظَّارَ أَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ فِي نَفْسِ ذِي الْقَدْرِ، فَيَقُولُونَ لِلْقَائِمِ بِنَفْسِهِ ذِي الْقَدْرِ: إِنَّهُ جِسْمٌ.
وَهَذَا اللَّفْظُ لَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي كَلَامِ النُّظَّارِ، تَفَرَّقُوا فِي مَعَانِيهِ لُغَةً وَعَقْلًا وَشَرْعًا، تَفَرُّقًا ضَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجَسَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute