للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدِ افْتَرَقَ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ كَمَا افْتَرَقَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، مِنْهُمُ الْغَالِي فِي النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ، وَمِنْهُمُ الْغَالِي فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ.

وَالْمُسْلِمُونَ أَئِمَّتُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ مُقْتَصِدُونَ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ قَدْ جَاءَتْ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا، كَمَا جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ.

وَلَمْ يَجُزْ لِلنَّصَارَى أَنْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ نَظِيرَ مَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ.

وَهَذِهِ الصِّفَاتُ قَدْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ الْمِلَلِ الثَّلَاثِ ; لِأَنَّ التَّثْلِيثَ وَالِاتِّحَادَ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ تَشْبِيهُ هَذَا بِهَذَا؟

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُمْ: (فَيُوهِمُونَ السَّامِعِينَ أَنَّ اللَّهَ ذُو جِسْمٍ وَأَعْضَاءٍ وَجَوَارِحَ) - كَلَامٌ بَاطِلٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ وَصِفَاتَهُ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ وَصِفَاتِ عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ هِيَ فِي حَقِّهِمْ نَظِيرُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فَسَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: ٢٥٥] الْآيَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>