أَيْ لَا يَكْرُثُهُ وَلَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَدْنَى مَشَقَّةٍ، وَلَا أَيْسَرُ كُلْفَةٍ فِي حِفْظِ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: ٣٨] .
بَيَّنَ بِذَلِكَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ اللُّغُوبُ فِي الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ مِثْلِ خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، كَمَا يَلْحَقُ الْمَخْلُوقَ اللُّغُوبُ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا عَظِيمًا، وَاللُّغُوبُ: الِانْقِطَاعُ وَالْإِعْيَاءُ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ بِنَقَائِضِهَا، وَإِذَا وُصِفَ بِالسُّلُوبِ، فَالْمَقْصُودُ هُوَ إِثْبَاتُ الْكَمَالِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: قَدْ وَصَفْنَاهُ بِالْحَيَاةِ لِنَنْفِيَ عَنْهُ الْمَوْتَ، كَمَا قَالُوا: هُوَ شَيْءٌ لِنَنْفِيَ الْعَدَمَ عَنْهُ، وَالْحَيَاةُ صِفَةُ كَمَالٍ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَالْمَوْتُ مُنَاقِضٌ لَهَا، فَلَمْ يُوصَفْ بِالْحَيَاةِ لِأَجْلِ نَفْيِ الْمَوْتِ، بَلْ وَصْفُهُ بِالْحَيَاةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَوْتِ، فَيَنْفِي عَنْهُ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ حَيٌّ، لَا يُثْبِتُ لَهُ الْحَيَاةَ لِنَفْيِ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ لِتُثْبِتَ لَهُ أَنَّهُ شَيْءٌ مَوْجُودٌ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَدَمِ عَنْهُ، لَا أَنَّ إِثْبَاتَ وُجُودِهِ لِأَجْلِ نَفْيِ الْعَدَمِ، بَلْ نَفْيُ الْعَدَمِ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute