ورأيت بعض أصحابنا، قال: لا يختلف المذهب في هذا وذلك غلط. قال الشافعي:"وإن بال اثنان لم يطهره إلا دلوان"، وهذا على الخلاف الذي ذكرناه. وقصد الشافعي به ترتيب الاثنين على الواحد على موافقة الخبر لا التحديد على ما توهمه بعض أصحابنا، وهذا لأنه قد يزيد بول الواحد على بول الجماعة، فلا اعتبار بعدد الدلاء.
وقال أبو حنيفة:"إن كانت الأرض رخوة فصب عليها ما يطهر ظاهرها، ولا يطهر باطنها، وإن كانت صلبة، فصب عليها ماء وجرى طهر موضع البول [١٧٧ ب / ٢] والماء نجس. وذلك الموضع الذي يركد فيه الغسالة نجس ولا يطهر إلا بالحفر"، وبناه على أصله أن الماء المزال به النجاسة نجس، وأن العصر شرط في الثوب المغسول، وعندنا وإن اشترط العصر في أحد الوجهين فههنا الأرض تنشف، فيقوم مقام العصر.
واحتج الشافعي بخبر الأعرابي وتمامه ما روي أن أعرابياً دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فلما رأى لطفه وتثريبه ولم ير من أصحابه ذلك، قال: أللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد تحجرت واسعاً يا أعرابياً"، فما لبث أن قام إلى زاوية المسجد، وقعد يبول، فهم به أصحابه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزرموه"، فلما فرع وخرج، قال: قربوا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا، صبوا عليه ذنوباً من ماءٍ"، أو قال: "سجلاً من ماءٍ". وقوله: "لا تزرموه"، أي: لا تقطعوا عليه بوله. وقوله: "لقد تحجرت واسعاً"، أي: استوليت عليه بزعمك واقتطعته لنفسك. فإن قيل: روينا أنه أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقي ويصب على مكانه. قلنا: قال أبو داود رواه عبد الله بن معقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو لم يلقه.
فرع
لو وقع البول على موضع من الأرض، فأتى المطر عليه كان بمنزلة الماء الذي يصب عليه، فإن كاثره حتى غلب عليه واستهلك طهر، لأن القصد غير معتبر في إزالة النجاسة، نص عليه.
فَرْعٌ آخرُ
لو مر بالمكان سيل نظر، فإن دام بمقدار ما يعلم أنه وصل إلى انتهاء البول طهر، وإن مر على الموضع مسحة واحدة لم يطهر كما لو صب عليه الماء فجرى عليه مسحاً لا يطهر المكان إلى انتهاء البول إليه.