قال في الحاوي: وجملة ذلك أن لسان الصبي الطفل يعجز عن الكلام لضعف الصغر كما تعجز أعضاؤه عن استيفاء الحركة، فيلزم في لسانه إذا كان معروف السلامة جميع الدية مثل ما يلزم في لسان الناطق الكبير، كما يلزم من رجليه جميع الدية إذا عرفت سلامتها وإن كان ينهض للمشي بهما، وإذا كان كذلك فأول ما يظهر من الطفل حرف الحلق في البكاء، ثم حروف اللسان إذا تكلم، وبعض ذلك يتلو بعضًا، فإذا عرف منه أحد هذه الثلاثة في زمانه دل على سلامة لسانه فكملت فيه الدية وإن لم يستكمل الكلام، لأنه يكمل في غالب العرف إذا بلغ زمان الكمال، وإن لم يظهر منه في أوقات هذه الحروف ما يدل على سلامة لسانه كان ظاهره دليلًا على خرسه، فيلزمه فيه حكومة، ولو قطعه ساعة ولادته قبل أوقات حركات لسانه صار لسانه وإن كان من الأعضاء الظاهرة من الكبير جاريًا مجرى الأعضاء الباطنة فيكون على قولين:
أحدهما: يحمل على الصحة، لتعذر البينة فيه اعتبارًا بالأغلب من أحوال السلامة، وتكمل فيه الدية.
والقول الثاني: أنه يحمل على عدم الصحة، لن لا يقضي بالإلزام مع إمكان الإسقاط اعتبارًا ببراءة الذمة وتجب فيه حكومة.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"وفي لسان الأخرس حكومة".
قال في الحاوي: وإنما لم يجب في لسان الأخرس الدية، لأنه قد سلب الكلام الذي هو الأخص الأغلب في منافع اللسان وإن بقى بالخرس بعض منافعه وهو الذوق وتصرفه في مضغ الطعام فلم تبلغ ديته دية لسان كامل المنافع. فإن قيل: فمثله لسان الصبي فهلا كان فيه أيضًا حكومة؟ قيل: لأن لسان الصبي سليم الكلام، وإن لم يظهر في زمانه، وهذا معدوم الكلام، لأنه مفقود في زمانه فافترقا، فلو كان اللسان مسلوب الذوق لا يحس به طعوم المأكولات والمشروبات وهو ناطق سليم الكلام لم تكمل فيه الدية، وكان فيه حكومة كالأخرس، وإن لم يذكره الشافعي بناء على ما قدمناه في الجناية عليه إذا أذهبت بذوقه أن فيه الدية، وحكومة المسلوب الذوق أقل من حكومة المسلوب الكلام، لأن نقص الكلام أظهر، والحاجة إليه أدعى، ولو ابتدأ بالجناية على لسان ناطق فأخرسه وضمن بالخرس ديته، ثم عاد هو فقطع لسانه لزمه حكومة، لأنه قطع بعد الجناية الأولى لسان أخرس، كما لو أشل يده بجناية ثم قطعها بعد الشلل لزمته دية في الشلل وحكومة في القطع بعده.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإن قال لم أكن أبكم فالقول قول الجاني مع يمينه