واحدًا، بخلاف الأنف إذا استحشفه إن عليه حكومة في أحد القولين، لأن منفعة الأنف باقية ومنفعة الشفة ذاهبة، وإن تقلتا بالجناية حتى صار كاشر الأسنان نظر، فإن انبسطتا فذلك نقص في المنفعة تجب فيه حكومة، وإن لم تنبسط بالمد فهو ذهاب جميع المنفعة فتكمل فيها الدية، ولو تقلص بعضها ولم ينبسط بالمد ففيه من الدية بحساب ما تقلص، ولو جني عليها فاسترختا حتى لا ينفصلان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك ففيهما الدية كاملة، نص عليه الشافعي، وفيه عندي نظر، لبقاء منفعتهما بحفظ الأسنان وما يدخل الفم من طعام وشراب، فاقتضى لأجل ذلك أن تجب فيه حكومة بخلاف تقلصهما المذهب لجميع منافعهما، ولو شق الشفة فلم يندمل حتى صار كالأعلم إن كان الشق في العليا وكالأقلع إن كان الشق في السفلى، ففيه حكومة بحسب الشين لا يبلغ بها إحدى الشفتين، وإن اندملت ففيه حكومة إن تقل عن حكومة ما لم يندمل، وتقل إن اندملت ملتئمة وتكثر إن اندملت غير ملتئمة ولو قطع شفة مشقوقة لزمه جميع ديتها إن لم يذب الشق شيئًا من منافعها، ويقسطه إن أذهب معلوم القدر من منافعها، وحكومة تقل عن ديتها إن لم يعلم قدر الذاهب من منافعها.
فصل:
وحد الشفتين ما وصفه الشافعي في كتاب "الأم" أنه ما زائل جلد الذقن والخدين من الأعلى والأسفل مستديرًا بالفم كله مما ارتفع عن الأسنان واللثة. قال الشافعي:"وفي جناية العمد عليهما العود"، وقال أبو حامد الإسفراييني: لا قود فيهما؛ لأنه قطع لحم من لحم فصار كقطع بضعة من لحمه. وهذا خطأ، وما قاله الشافعي من وجوب القود أصح، لأنه محدود وإن كان لحمًا متصلًا بلحم فشابه المحدود بالمنفصل وخالف البضعة من اللحم التي ليس لها حد ولا مفصل.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"وفي اللسان الدية".
قال في الحاوي: وهذا صحيح لرواية عمرو بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلى اليمن: "وفي اللسان الدية" ولأنه قول أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- ولا مخالف لهم، ولأنه عضو من تمام الخلقة في جمال ومنفعة يألم بقطعه، وربما سرى إلى نفسه فوجب أن تكمل فيه الدية كسائر الأعضاء، فأما جمال اللسان فقد روى ابن عباس أنه قال: يا رسول الله فيما الجمال؟ قال في "اللسان".