للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رؤيته شخص آخر يختبر به صدقه، وهو لا يعلم به كان أحوط؛ لأن قصده بعد مدى البصر بالعين الصحيحة، فإذا أوثق بما قاله من هذا الاختبار الذي لم يختلف مدى البصر فيه باختلاف الجهات واختلاف الأشخاص مسح قدر المسافة، فإذا كانت ألف ذراع علم أنه قدر مدى بصره مع الصحيحة، وإن اختلف عمل على الأقل احتياطًا، ثم أطلقت العليلة الصحيحة، فإن رأى الشخص من مداه علم أنه لم يذهب من بصر العليلة شيء، وإن لم يره قرب منه حتى ينتهي إلى حد يراه، وغرض في هذا تقليل مدى بصره بالعليلة كما كان غرضه تبعيد مدى بصره بالصحيحة ليكون نقصان ما بين البصرين أكثر فيكون أكثر فيما تستحقه من الدية، فيستظهر عليه بإعادة الشخص من جهات، ويحتسب بأكثر مما قاله من مدى بصره بالعليلة كما احتسب بأقل ما قاله من مدى بصره بالصحيحة حتى يكون أقل لما يستحقه ليشك فيما زاد عليه بالتصنع له، وينظر قدر مسافة العليلة، فإن كان خمسمائة ذراع من ألف كان الذاهب من بصرها النصف، فيؤخذ بربع الدية، لأن نصف دية إحدى العينين، وإن كان مائة ذراع من ألف كان الذاهب من بصرها تسعة أعشار، فيؤخذ بتسعة أعشار نصف الدية، وعلى هذه العبرة فيما زاد أو نقص، فإن سأل الجاني إحلافه على ما ذكره من المسافة أحلف له، ولا قصاص في هذا، لأن استيفاء لقدر ما ذهب من البصر من غير زيادة، ولا نقصان غير ممكن فسقط القصاص فيه.

فصل:

ولو جني على عينيه فأذهب بعض بصرهما فيعتذر في الحال اعتبار ما ذهب منهما بالجناية، لأن النقصان في العينين معًا، فإن كان قد عرف مدى بصره قبل الجناية اعتبر مدى بصره بعدها، ولزمه من الدية بقدر ما بين المسافتين، وإن لم يعلم ذلك قبل الجناية لم يعلم بعدها قدر الذاهب منهاما، فيلزمه حكومة (بمقدرها) الحاكم باجتهاده.

فصل:

ولو كان في عينيه قبل الجناية عليها بياض لم يخل حاله من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن لا يؤثر في البصر، ويرى مع البياض ما كان يراه قبله، ففي بصره إذا ذهب بالجناية الدية تامة، ولا يكون للبياض تأثير في الدية كما لم يكن له تأثير في البصر، وسواء كان يشق عليه النظر أو لا يشق لأنه يدرك مع المشقة ما كان يدركه بغير مشقة.

والقسم الثاني: أن يكون البياض قد منعه من النظر حتى صار لا يبصر من قرب ولا بعد، فيكون بالجناية عليه كالبصر الذاهب لا تجب فيه إلا حكومة، وإن كان بصره باقيًا تحت البياض، لأنه لا يبصر به كما لا يبصر بالذاهب من أصله، وليس ما يرجى من زوال البياض بالعلاج، فيعود البصر بمانع من أن يجرى عليه في الحال حكم الذاهب البصر، وإنما يفترقان في قدر الحكومة فتكون حكومة ذات البياض أكثر لبقاء البصر تحته.

والقسم الثالث: أن يكون البياض قد أذهب بعض بصره وبقى بعضه، فهذا على ضربين:

<<  <  ج: ص:  >  >>