قال في الحاوي: وهذا صحيح لوراية علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" في العينين الدية" ولأنهما من أعظم الجوارح قدرًا فكانا بإيجاب الدية أحق, وسواء في ذلك الصغيرة والكبيرة, والحادة والكليلة, والصحيحة والعليلة, والعمشاء, والعشواء, والحولاء, إذا كان الباطن سليمًا, كما لا تختلف ديات الأطراف مع اختلاف أوصافهما, وفي إحدى العينين نصف الدية" ولأن كل دية وجبت في عضوين وجب نصفها في أحد العضوين كاليدين والرجلين, ولا فضل ليمنى على يسرى, ولا لصحيحة على مريضة.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وفي ذهاب بصرهما الدية".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا جني على عينيه فأذهب بصرهما مع بقاء الحدقة وجبت عليه الدية, لرواية معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وفي البصر الدية" ولأنه منفعة العين بناظرها كما قال الشاعر:
وما انتفاع أخي الدنيا لمقلته ... إذا استوت عند الأنوار والظلم
وإذا سلبها منفعتها كملت عليه ديتها كالشلل في اليدين والرجلين, فإن عاد بعد ذهاب البصر فقلع العين فعليه حكومة, كما لو أشل يده فغرم ديتها ثم عاد بعد الشلل فقطعهما لزمه حكومتها, ولو قطعها ابتداء لم تلزمه إلا ديتها, وقد قمنا الفرق بين قطع الأذنين فيذهب بها السمع فتلزمه ديتان, وبين قلع العينين فيذهب بهما البصر فيلمه دية واحدة بأن محل السمع في غير الأذنين فلم تسقط إحداهما بالأخرى, ومحل البصر في العين, ويلحق بالأذنين ذهاب الشم يجذع الأنف, فتلزمه ديتان ويلحق بالعين ذهاب الكلام بقطع اللسان فتلزمه دية واحدة.
فصل:
فإذا ثبت أن في ذهاب البصر الدية نظ: فإن محق ذهاب البصر كان المحق شواهد ذهابه الذي يقطع التنازل فيه, كما لو استأصل عينه ففقأها, وهو ما يؤس من عوده فنقضي فيه بالقود وفي العمد والدية في الخطأ, وإن كانت العين ظاهرة لم تمحقها الجناية, فقد يجوز أن يذهب بصرها مع بقائها على صورتها فيوقف علماء الطب عليها فلا يخلو حالين فيها من أحد أمرين: