للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضحة وبعضها لا يكافئها وليست الأطراف بعض النفس, لأن النفس لا تتبعض فجاز أن يجب فيها أكثر مما يجب في النفس.

والوجه الثاني: وهو محكي عن أبي العباس بن سريج أن أروشها مقدرة بالاجتهاد كما تقدرت الموضحة وما فوقها بالنص ولا يمتنع إثبات المقادير اجتهادًا كما تقدر القلتان بخمسمائة رطل اجتهادًا, فجعل في الحارصة بعيرًا واحدًا, وجعل في الجامية والدامغة بعيرين, وجعل في الباضعة, والبازلة والمتلاحمة ثلاثة أبعرة, وجعل في الملطأة, والسمحاق أربعة أبعرة لأنها أقرب الشجاج من الموضحة, فكان أرشها أقرب الأروش إلي دية الموضحة, ولما كانت الحارصة أول الشجاج كان فيها أو ما في الموضحة وكان فيما بين الطرفين ما يقتضيه قربة من أحدهما فلذلك رتبة في التقدير على ما ذكره, وهذا وإن كان مستقرًا بالظاهر فاسد من وجهين:

أحدهما: أن ما دخله الاجتهاد بحسب الزيادة والنقصان كان حكمه موقوفًا عليه.

والثاني: أنه لو جاز أن يستقر الاجتهاد فيه بمقدار محدود لا يراد عليه, ولا ينقص منه لكان اجتهاد الصحابة-رضي الله عنهم-فيه أمضى وتقديرهم له ألزم, وقد روى سعيد بن المسيب, عن عمر وعثمان أنهما قضيا في الملطاة والسمحاق بنص ما في الموضحة.

والوجه الثالث: حكاه أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة عن الشافعي أن يعتبر قدر ما انتهت إليه في اللحم من مقدار ما بلغته الموضحة حتة وصلت إلي العظم إذا أمكن, فإذا عرف مقداره من ربع أو ثلث أو نصف كان فيه بقدر ذلك من دية الموضحة, فإن علم أنه النصف وشك في الزيادة اعتبر شكه بتقويم الحكومة, فإن زاد على النصف وبلغ الثلثين زال حكم الشلك في الزيادة بإثباتها وحكم بها, ولزم ثلثا دية الموضحة, وإن بلغت النصف زال حكم الشك في الزيادة بإسقاطها وحكم بنصف الدية, وإن نقصت عن النصف بطل حكم النقصان والزيادة وثبت حكم النصف, فإن لم يعلم مقدار ذلك من الموضحة عد عينئذ إلي الحكومة التي يتقدر الأرش فيها بالتقويم على ما سنذكره, ولهذا الوجه وجه إن لم يدفعه أصل وذلك أن مقدار الحكومة معتبر بشيئين: الضرر والشين, وهما لا يتقدران بمقدار المور في اللحم.

وحكي عن الشعبي أنه قال: ليس فيما دون الموضحة أرش, وليس على الجاني إلا أجرة الطبيب لعدم النص فيه, وهذا فاسد من وجهين:

أحدهما: أن المنصوص عليه أصل للمسكون عنه.

والثاني: أنه قد أوجب أجرة الطبيب ولم يرد بها شرع, وأسقط أرش الدم وقد ورد به شرع, والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>