ودليلنا هو أن ما تناوله الاسم مع البناء زاله عنه حكم الحنث بذهاب البناء، كالبيت فإن قيل: البيت لا
يسمى بعد انهدامه بيتًا، وتسمى الدار بعد انهدامها دارًا بطل بقول الله تعالى:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}[النمل: ٥٢]. فسماها بعد الخراب بيوتًا، ولأن ما منع من الحنث بدخول عرصة البيت، منع منه بدخول عرصة الدار، كما لو بنى العرصة مسجدًا، ولأن أبا حنيفة قد وافقنا أنه لو حلف لا يدخل دارًا، ولم يعينها، فدخل عرصة دار قد انهدم بناؤها لم يحنث كذلك إذا عينها.
وتحريره أن كل ما لا يتناوله الاسم الحقيقي، مع عدم التعيين، لم يتناوله مع وجود، التعيين كالبيت.
فإن قيل: قد فرق الشرع في الأيمان بين التعيين والإبهام، لأنه لو حلف فقال: لا جلست في سراج فجلس في الشمس لم يحنث، وإن مساها الله تعالى سراجًا، ولو عين، فقال: لا جلست في هذا السراج إشارة إلى الشمس حنث بجلوسه فيها، ولو حلف لا جلست على بساط فجلس على الأرض لم يحنث وإن سماها الله تعالى بساطًا، ولو عين، فقال: لا جلست على هذا البساط مشيرًا إلى الأرض، فجلس عليها حنث فصارت الشمس سراجًا مع التعيين، وإن لم تكن سراجًا مع الإبهام وصارت الأرض بساطًا مع التعيين، وإن لم تكن بساطًا مع الإبهام، كذلك وجب أن تكون العرصة دارًا مع التعيين، وإن لم تكن دراً مع الإبهام، قلنا: ليس يفترق التعيين، والإبهام في حقائق الأسماء، فإن اسم السراج ينطلق على الشمس مجازًا في الإبهام، والتعيين، واسم البساط ينطلق على الأرض مجازًا في الإبهام، والتعيين، وإنما جعل التعيين مقصودًا والاسم مستعارًا، فإذا أبهم الاسم اعتبر فيه الحقيقة، دون المجاز المستعار والتعيين، في الدار توجه إلى شيئين جمعهما حقيقة الاسم وهي العرصة والبناء، فإذا ذهب البناء زال شطر العين، فارتفع حقيقة الاسم ولأن الإبهام، إذا حلف لا دخلت دارًا، أعم من التعيين، وإذا حلف لا دخلت هذه الدار، لأنه يحنث في الإبهام بدخول دار، ولا يحنث في التعيين إلا بدخول تلك الدار فلما ارتفع بالهدم حكم الأعم، كان أولى أن يرتفع به حكم الأخص. فأما الجواب عن قولهم بأن اسم الدار ينطلق عليها بعد انهدامها هو أن الاسم ينطلق عليها بعد الهدم على أحد وجهين:
إما على الاستعارة والمجاز، والأيمان تراعي فيها حقائق الأسماء دون مجازها، وإما لأنها كانت دارًا فاستصحب اسمها اتساعًا، والأسماء في الأيمان معتبرة، بالحال دون ما سلف، كما لو حلف لا كلمت عبدًا فكلمه معتقًا، ثم يقال لأبي حنيفة هذا الاستدلال، والتعيين يفسد بالإطلاق في الإبهام، وأما استدلاله بدخوله إلى صحنها من هدم من سورها، فنشرح من مذهبنا فيه ما يكون انفصالًا عنه، وهو أنه ليس يخلو حال ما انهدم منها، وبقي من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن لا يمنع من سكنى شيء منها، فيحنث بدخوله من المستهدم والعامر.