أو موزون جنس. ومن أصحابنا من عبر عن هذه العلة بأحصر من هذه العبارة فقال: مطعوم مقدر جنس. فعلى هذا القول ثبت الربا فيما كان مأكولاً أو مشروباً مكيلاً أو موزوناً وينتفي عما كان غير مكيل ولا موزون وإن كان مأكولاً أو مشروباً مكيلاً أو موزوناً وعما كان غير مأكول ولا مشروب وإن كان مكيلاً أو موزوناً.
والثامن: وهو مذهب الشافعي في الجديد أن علة الربا أنه مأكول جنس ومن أصحابنا من قال مطعوم جنس وهذه العبارة أعم وهو قول من أثبت في الماء الربا فهذا جملة المذاهب المشهورة في علة الربا. وسنذكر حجة كل مذهب منها وندل على فساده.
فصل
أما المذهب الأول وهو قول محمد بن سيرين أن علة الربا الجنس فاحتج له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أجناساً منع من التفاضل فيها ثم قال:"فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يداً بيد".
فشرط في جواز التفاضل اختلاف الجنس فثبت أن علة الربا الجنس فلا يجوز أن يباع شيء بجنسه متفاضلاً أبداً. والدليل على فساد هذا القول ما روى عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهز جيشاً فنفدت إبله فأمرني أن اشتري بعيراً ببعيرين إلى إبل الصدقة" فلما ابتاع - صلى الله عليه وسلم - بعيراً ببعيرين بطل أن يكون الجنس علة لوجود التفاضل فيه وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وقد فعلت الصحابة مثل فعله وروي عن علي رضي الله عنه أنه باع جملاً له بعشرين جملاً إلى أجل.
وعن ابن عمر أنه باع راحلة له بأربعة رواحل إلى أجل ولم يظهر لهما مخالف فكان إجماعاً. فأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم. فعطف على ما قدم ذكره من الأجناس الستة التي أثبت فيها الربا بالنص فجوز فيها التفاضل مع اختلاف الجنس فلم يدل ذلك على تحريم التفاضل مع اتفاق الجنس في غير ما ورد فيه النص.
فصل
وأما المذهب الثاني وهو قول الحسن البصري أن علة الربا المنفعة في الجنس فاحتج له بأن ثبوت الربا مقصود به تحريم التفاضل، وفضل القيمة يقع ظاهراً كفضل القدر فلما ثبت أن الربا يمنع من التفاضل في القدر وجب أن يمنع التفاضل في القيمة. والدليل على فساد هذا القول مع ما قدمناه من ابتياع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيراً ببعيرين وفضل القيمة بينهما كفضل القدر، وأن مقصود البياعات طلب النفع والتماس الفضل فلم يجز أن يكون ما هو مقصود البياعات علة في تحريم البياعات. ولأن تحريم تفاضل القيمة في الجنس مع تساوي القدر يقتضي تحليل تساوي القيمة في الجنس مع تفاضل القدر وهذا محظور بالنص وفي هذا انفصال عما تعلق به من الاستدلال.