للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفصل

وهذا كما قال قد ذكرنا حد السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر فإذا خرج إلى مثل هذا السفر له أن يفطر فيأكل أو يجامع وهذا لقوله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥]، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة" (١). وقال أحمد: لا يجوز الإفطار بالجماع وإن جامع وجبت عليه الكفارة لأنه أبيح له الأكل والشرب للحاجة إليه ولا حاجة به إلى الجمال وهذا غلط لأنه لو كان لا يحتاج إلى الأكل فأجل فجاز له صوم يجوز أن يفطر فيه بالأكل يجوز أن يفطر فيه بالجماع كصوم التطوع، وإن صام في سفره أجزاه. وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن صام في السفر قضى في حضر وبه قال داود وقال يحرم عليه الصوم. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "ليس البر الصيام في السفر (٢) كالمفطر في الحضر"، وهذا غلط لما روت عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الإسلامي قال للنبي صلى الله عليه وسلم [٣٠٧ أ/٤]: يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر فقال: "صم إن شئت وأطر إن شئت" (٣). وروى عن أنس قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام بعضنا وأفطر بعضنا فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة فر رمضان فلما انصرفنا قال لي:"ماذا فعلت قلت: صمت وما أفطرت وأتممت وما قصرت فقال: أحسنت" (٤) ولأن من لا يترك الصلاة لا يكون فطره عزيمة كالمريض. وأما الخبر الأول قلنا روى ابن المنذر بإسناده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاما على رجل قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم فقال: هذا وعندنا إذا أضعفه الصوم لا يكون له الصوم برآ. وأما الخبر الأخر أراد من لم ير الفطر رخصة في السفر كمن لم ير الصوم في الحضر، وروى؟ أنهم كانوا في الحرب فأمرهم بالفطار ليتقووا على عدوهم في الحرب فصام قوم منهم فقال: هذا وقال أيضًا: أولئك العصاة وأما الأفضل فإنه إن كان يلحقه [٣٠٧ ب/٤] مشقة شديدة في الصوم فالأفضل له الفطر، وإن كان لا يلحقه ذلك فالأفضل له الصوم. وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري وأبو ثور وروى ذلك عن أنس بن مالك وعثمان بن أبي العاص.

وروى عن ابن عباس وابن عمر المسيب رضي الله عنهم وأنهم قالوا: الفطر أفضل بكل حال، وبه قال الاوزعي والشعبي وأحمد وإسحاق كالقصر أفضل من الإتمام، وروى هذا عن مالك أيضًا وهذا غلط لما روى يلمه بن المحبّق رضي الله


(١) أخرجه احمد (٥/ ٢٩)، والترمذي (٧١٥)، والنسائي (٢٢٦٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (٩٢/ ١١١٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٩٤٢، ١٩٤٣)، ومسلم (١٠٣، ١١٢١).
(٤) أخرجه النسائي (١٤٥٦)، والدارقطني (٢/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>