للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر العلماء: أن المراد بالأسرار الزوجية هي تفصيلات الجماع، وما يحدث عند فعله من أقوال أو أفعال. وحاشا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقدم على حكاية شيء من ذلك، وهو القائل كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) (١).

وبقي أن تعرف الحكم من إِطْلاع الأمة على طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه في ليلة واحدة، وهي لا شك ظاهرة لكلِّ ذي عقل راجح وقلب سليم، فمن ذلك:

١ - تعريفهم بما اختص الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - من القوة الجسدية دونهم، وقد قال أنس - رضي الله عنه - في آخر حديثه السابق: (كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ) (٢). وقال ابن حجر: «وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: ما أُعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية» (٣).

٢ - بيان أن القسم بين زوجاته - رضي الله عنهن - ليس واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم - كسائر النَّاس، ومصداق هذا قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:٥١].

٣ - جواز معاودة الجماع من غير إحداث غسل بينهما.

إلى غير لك من الحكم.

فظهر بهذا: أن صاحب الرسالة لم يكن بارًا في يمينه حينما قال: «وكلا والله إن مثل هذا الكلام يستبعد وقوعه من العصاة المجرمين»، الخ. ومثل هذه اليمين ليس لها كفارة عند العلماء إلا التوبة الصادقة؛ لأنها يمين كاذبة. وكيف لا تكون كذلك وصاحبها قد حلف على أمر غيبي يجهله، ولا يُستبعد وقوعه من أحد، فضلًا عمن سماهم؟ فهل استقرأ أحوال العصاة المجرمين جميعًا حتى يُخبر عنهم بذلك؟

رابعًا: ليس هناك تعارض بين جماعه - صلى الله عليه وسلم - لنسائه جميعًا في ليلة واحدة وبين أنه يجعل لذلك مقدمات من تقبيل ونحوه، ولا شك أن مثل هذا الأمر قد يستغرق زمنًا، لكن ليس بالضرورة استغراق الليلة كلها في ذلك، كما قد يظن، وقياس النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيره من الرجال في هذا غير صحيح؛ لأنه يختلف عنهم في القوة، كما سبق.


(١) صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة (٢/ ١٠٦٠)، رقم (١٤٣٧).
(٢) صحيح البخاري، كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد (١/ ٦٢)، رقم (٢٦٨).
(٣) فتح الباري لابن حجر (١/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>