للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ مَوْتِهِمْ أَنهم كَانُوا كَافِرِينَ، لأَنهم قَالُوا لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالُوا: ضَلُّوا عَنَّا أَي بَطَلُوا وَذَهَبُوا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ مَلَائِكَةُ العذابِ يَتَوَفَّوْنَهُمْ، فَيَكُونُ يَتَوَفَّوْنَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما يَتَوَفَّوْنَهم عَذَابًا وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: قَدْ قَتَلْتُ فُلَانًا بِالْعَذَابِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ يَتَوَفَّوْنَ عِدَّتهم، وَهُوَ أَضعف الْوَجْهَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَافَاهُ حِمامُه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ جِنِّي:

ليتَ القِيامةَ، يَوْمَ تُوفي مُصْعَبٌ، ... قامتْ عَلَى مُضَرٍ وحُقَّ قِيامُها

أَرادَ: وُوفيَ، فأَبدل الْوَاوَ تَاءً كَقَوْلِهِمْ تَاللَّهِ وتَوْلجٌ وتَوْراةٌ، فِيمَنْ جَعَلَهَا فَوْعَلة. التَّهْذِيبُ: وأَما المُوافاة الَّتِي يَكْتُبُهَا كُتَّابُ دَواوين الخَراج فِي حِساباتِهم فَهِيَ مأْخوذة مِنْ قَوْلِكَ أَوْفَيْتُه حَقَّه ووَفَّيْتُه حَقَّه ووافَيْته حَقَّه، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى: أَتْمَمْتُ لَهُ حَقَّه، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فاعَلْتُ بِمَعْنَى أَفْعلْت وفَعَّلت فِي حُرُوفٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. يُقَالُ: جاريةٌ مُناعَمةٌ ومُنَعَّمةٌ، وضاعَفْتُ الشَّيْءَ وأَضْعَفْتُه وضَعَّفْتُه بِمَعْنًى، وتَعاهَدْتُ الشَّيْءَ وتعَهَّدْته وباعَدْته وبَعَّدته وأَبْعَدْتُه، وقارَبْتُ الصَّبِيَّ وقَرَّبْتُه، وَهُوَ يُعاطِيني الشَّيْءَ ويُعطِيني؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ:

كأَن الأَتْحَمِيَّةَ قامَ فِيهَا، ... لحُسنِ دَلالِها، رَشأٌ مُوافي

قَالَ الْبَاهِلِيُّ: مُوافي مثلُ مُفَاجِي؛ وأَنشد:

وكأَنما وافاكَ، يومَ لقِيتَها ... مِنْ وَحْش وَجْرةَ، عاقِدٌ مُتَرَبِّبُ

وَقِيلَ: مُوَافِي قَدْ وَافَى جِسْمُه جِسمَ أُمه أَي صَارَ مِثْلَهَا. والوَفاء: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ حِلِّزةَ:

فالمُحَيَّاةُ فالصِّفاحُ فَأَعْناقُ ... قَنانٍ فَعاذِبٌ فالوَفاء

وأَوْفى: اسم رجل.

وَقَي: وقاهُ اللهُ وَقْياً وَوِقايةً وواقِيةً: صانَه؛ قَالَ أَبو مَعْقِل الهُذليّ:

فَعادَ عليكِ إنَّ لكُنَّ حَظّاً، ... وواقِيةً كواقِيةِ الكِلابِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

فَوقَى أَحَدُكم وجْهَه النارَ

؛ وَقَيْتُ الشَّيْءَ أَقِيه إِذَا صُنْتَه وسَتَرْتَه عَنِ الأَذى، وَهَذَا اللَّفْظُ خَبَرٌ أُريد بِهِ الأَمر أَيْ لِيَقِ أَحدُكم وجهَه النارَ بِالطَّاعَةِ والصَّدَقة. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

مُعَاذٍ: وتَوَقَّ كَرائمَ أَموالِهم

أَي تَجَنَّبْها وَلَا تأْخُذْها فِي الصدَقة لأَنها تَكْرُم عَلَى أَصْحابها وتَعِزُّ، فَخُذِ الوسَطَ لَا الْعَالِيَ وَلَا النَّازِلَ، وتَوقَّى واتَّقى بِمَعْنَى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ

أَي اسْتَبْقِ نَفْسك وَلَا تُعَرِّضْها للتَّلَف وتَحَرَّزْ مِنَ الْآفَاتِ واتَّقِها؛ وَقَوْلُ مُهَلْهِل:

ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وَقَالَتْ: ... يَا عَدِيًّا، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي «١»

إِنما أَرَادَ الْوَاوَ فِي جَمْعِ واقِيةٍ، فَهَمَزَ الْوَاوَ الأُولى، ووقاهُ: صانَه. وَوَقَاهُ مَا يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ مِنْهُ، وَالتَّخْفِيفُ أَعلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ.


(١). قوله [ضربت إلخ] هَذَا الْبَيْتُ نَسَبَهُ الْجَوْهَرِيُّ وابن سيدة إلى مهلهل. وفي التكملة: وليس البيت لمهلهل، وإنما هو لأَخيه عدي يرثي مهلهلًا. وقبل البيت:
ظَبْيَةٌ مِنْ ظِبَاءٍ وَجْرَةَ تعطو ... بيديها في ناضر الأوراق
أراد بها امرأته؛ شبهها بالظباء فأجرى عليها أوصاف الظباء

<<  <  ج: ص:  >  >>